×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

 جاءه اليهود يستفتونه في إقامة الحدِّ على ذاك الذي زنى، يريدون أن يجعلوا هذا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ويسلموا هُم منه، وقالوا: إنْ جلدَه سلِمنا من تبعة تغيير التوراة، وكانوا قد جلدوه وحمَّموه دون أن يرجموه، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه أن يناقشهم في هذا الأمر، حتى يقيم الحجّة عليهم من كتابهم، فقال: «أَتَجِدُونَ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ؟» قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فنشده بالله: «هَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ؟» قال: لا، إنَّه الرجم... ثم شرح القصة وقال: لكن كثُر الزنا في أشرافنا، فإذا أقمنا عليهم الحد يحصل في هذا ما يحصل، فنحن نقيمه على الضعيف، الذي لا يترتَّب على إقامته عليه شيء من جهة الناس، وأمَّا الشريف فنحن ندرأ عنه الرجم، ونكتفي بالجلد والتحميم، فعند ذلك انكشف أمرهم، وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ» فأمر به فرُجم.وقد ذكر الله هذه القصة في قوله تعالى﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ [المائدة: 41]، ومن هذا الذي حرّفوه الرجم ﴿يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ [المائدة: 41]، يعني: إن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه ﴿وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ يعني: أفتاكم بالرجم وهو الواقع في كتاب الله ﴿فَٱحۡذَرُواْۚ أي: لا تطيعوا. فالله فضحهم في القرآن، كما فضحهم في التوراة، والمقصود من هذا كله تحذير هذه الأُمَّـة أن تسلك هذا المسلك الخبيث، وهو التساهل في حـدود الله، وذلك بإقامتها على الضُّعفاء، وترك الأشراف والأغنياء وذوي المقامات.


الشرح