فصل
قد ذكرنا من
دلائل الكتاب والسُّنة والإجماع والآثار والاعتبار: ما دلَّ على أنَّ التشبُّه بهم
في الجملة منهيٌّ عنه، وأنَّ مخالفتَهم في هديهم مشروع، إما إيجابًا وإما
استحبابًا، بحسب المواضع، وقد تقدم بيان أنَّ ما أمرنا الله ورسوله به من
مخالفتِهم مشروع، سواء كان ذلك الفعل مما قَصد فاعلُه التشبُّه بهم أو لم يقصد.
وكذلك
ما نُهي عنه من مشابهتِهم، يعمُّ ما إذا قصدت مشابهتَهم أو لم تقصِد، فإنَّ عامَّة
هذه الأعمال، لم يكن المسلمون يقصدون المشابهة فيها، وفيها ما لا يُتصور قصدُ
المشابهة فيه، كبياض الشَّعر، وطول الشارب ونحو ذلك.
****
قوله: «فصل: قد ذكرنا من دلائل الكتاب والسُنَّة والإجماع والاعتبار ما دلّ على أنَّ التشبه بهم...» يعني: ما سبق في أول هذا الكتاب إلى هذا الموضع كان في بيان منع التشبُّه بأهل الكتاب وبغيرهم من الكفار، مدعمًا بالأدلة من الكتاب والسُّنة وإجماع الأُمَّة والآثار، ويثير هنا قضية مهمة، وهي أنَّ بعض من يتشبه بالكفار إذا نُهي عن ذلك قال: أنا ما قصدت ولا نويت التشبُّه، وهذا يجاب بأنَّ الأمر ليس مبنيًّا على النيَّة والقصد، وإنما على المظهر، وأنت منهيٌّ عـن الظهور بمظهرهم والسير على سمتهم سواء قصدت أو لم تقصد، لكن إن قصدت فالأمر أشدّ، وإن لم تقصد، فأنت منهيٌّ عن ذلك، فلا تستمر عليه.