فسواء كانت الآية دالة على تحريم ذلك أو كراهته أو استحباب تركه: حصل أصل المقصود، إذ المقصود: بيان استحباب ترك موافقتهم أيضًا، فإن بعض الناس قد يظن استحباب فِعل ما فيه موافقة لهم، لما فيه من التوسيع على العيال، أو من إقرار الناس على اكتسابهم ومصالح دنياهم، فإذا عَلم استحباب ترك ذلك، كان هو المقصود.
وأما السُّنة: فروى
أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «مَا هَذَانِ
الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا
خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَْضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ» رواه أبو داود ([1]) بهذا
اللفظ: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن حميد، عن أنس. ورواه أحمد والنسائي.
وهذا إسناد على شرط مسلم.
فوجه الدلالة: أنَّ اليومين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: «إِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ» والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلاَّ فيما ترك اجتماعهما، كقوله تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا﴾ [الكهف: 50]، وقوله تعالى: ﴿وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ﴾ [سبأ: 16]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ﴾ [النساء: 2].
([1])أخرجه: أبو داود رقم (1134)، وأحمد رقم (13622)، والحاكم رقم (1091).
الصفحة 6 / 355