ودلالتها على
تحريم فِعْلها أوجه؛ لأن الله سماها ((زورًا)) وقد ذم من يقول الزور، وإن لم يضر
غيره بقوله في المتظاهرين، فقال: ﴿وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ
مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ﴾ [المجادلة: 2]،
وقال تعالى: ﴿فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ
ٱلزُّورِ﴾ [الحج: 30] ففاعل الزور كذلك.
وقد يقال: قول
الزور أبلغُ من فعله؛ لأنه إذا مدحهم على مجرد تركهم شهوده، دلّ على أنّ فعله
مذموم عنده معيب، إذ لو كان فعله جائزًا، والأفضل تركه، لم يكن في مجرد شهوده أو
ترك شهوده كبير مدح، إذ شهود المباحات لا منفعة فيها، وعدم شهودها قليل التأثير.
وقد يقال: هذا
مبالغة في مدحهم، إذ كانوا لا يحضرون مجالس البطالة، وإن كانوا لا يفعلون هم
الباطل، والله تعالى قال: ﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ
ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا﴾ [الفرقان: 63]، فجعل هؤلاء المنعوتين هم عباد الرحمن، وعبودية الرحمن
واجبة، فتكون هذه الصفات واجبة، وفيه نظر.
إذ قد يقال: في هذه الصفات ما لا يجب، ولأنَّ المنعوتين هم المستحقون لهذا الوصف على وجه الحقيقة والكمال، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ﴾ [الأنفال: 2]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ﴾ [فاطر: 28]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ...» الحديث ([1]). وقال: «مَا تَدْعُونَ الْمُفْلِسَ؟ مَا تَدْعُونَ الرَّقُوبَ؟» ونظائره كثيرة.
([1])أخرجه: البخاري رقم (1479)، ومسلم رقم (1039).