أحدها: أنَّ
قوله: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» تعقيبٌ للوصف بالحكم بحرف الفاء، وذلك يدل على أنَّ
الوصف هو سبب الحكم، فيكون سبب الأمر بالوفاء وجود النذر خاليًا من هذين الوصفين،
فيكون وجود الوصفين مانعًا من الوفاء، ولو لم يكن معصية لجاز الوفاء به.
الثاني: أنه
عقَّب ذلك بقوله: «وَلاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ» ولولا اندراج
الصورة المسؤول عنها في هذا اللفـظ العـام، وإلاّ لم يكن في الكلام ارتباط.
والمنذور في نفسه - وإن لم يكن معصيةً - لكن لـمّا سأله النبيُّ صلى الله عليه
وسلم عن الصُّورتَين قال له: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» يعني: حيث ليس هنا ما يُوجبُ
تَحريمَ الذَّبحِ هناك، فكان جوابُه صلى الله عليه وسلم فيه أمرًا بالوفاء عند
الخُلوِّ من هذا، ونهيٌ عنه عنـد وُجـودِ هذا.
وأصل
الوفاء بالنَّـذر معلومٌ، فبيَّن ما لا وفاء فيه. واللَّفظ العامُّ إذا ورَد على
سببٍ، فلا بدَّ أن يكون السَّببُ مندرجًا فيه.
****
قوله: «وهذا يدلُّ على أنَّ الذبح بمكان عيدهم
ومحل أوثانهم معصية...» المقصود: أنَّ وجوب الوفاء بالنـذر خلو المكان
من أعياد الجاهلية وأوثانها، وهذا من باب قرن الحكم بعلته؛ لأن الحكم إذا جاء بعد
الوصف مرتبًا بالفاء، فإنه يدلُّ على أنَّ هذا الوصف هو علَّة ذلك الحكم.
قوله: «فيكون سبب الأمر بالوفـاء وجـود النـذر خاليًا من هذين الوصفين...» يعني: أنَّ الوفاء بالنذر مشروطٌ بعدم وجود الوصفين، وهما: عدم وجود وثن فيها سابقًا، وعدم قيام أعياد فيها سابقًا، فكيف لو أنَّ هذين الوصفين ما زالا؟! لكان المنع أشد، وهذا البيان من شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته.