غاية. وكل ذلك من
فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
****
قوله: «الوجه الثالث
من السنة: أنَّ هذا الحديث...» يعني: بعد الوجهين: الأول: في عدم إقرار
الجاهلية، والثاني: وهو تحريم الذبح بمكان عيدهم، وأنَّ حديث الرجل الذي
نذر أن يذبح ببوانة دلَّ على أنه كان في الجاهلية أعياد للمشركين يحتفلون فيها،
لكن انطمست ببعثه صلى الله عليه وسلم، وحينما سأله الرجل لم يكن منها شيء.
قوله: «ومعلوم أنه
لولا نهيه ومنعه لـما ترك الناس تلك الأعياد...» أي: أنَّ حديث الرجل الذي
جاء يسأل عن الذبح ببوانة يدلُّ على أنه قد كان للمشركين الوثنيين أعياد في
الجاهلية، ويدلُّ أيضًا على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم منع المسلمين منها،
بدليل قوله: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ؟» و«كَانَ» يعني في الزمان
الماضي، فلما قَالوا: لاَ، قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ
أَعْيَادِهِمْ؟» فهذا القول يدل على أنهم كان لهم أعياد، وأنَّ الإسلام جاء
بإزالتها، ولكن يُخشى أن تُعاد؛ لأن النفوس وطبيعة البشر تميل إلى الرجوع إلى ما
ألِفَتْه من قبل، وإن كانت قد تركته، فإنه لا يؤمن أنها تنزع إليه وتميل إليه،
فلذلك سدَّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الطريق، فمجرد كون هذا المكان كان فيه
وثن من أوثان الجاهلية، أو عيدٌ من أعيادهم، أوجب المنع من العودة إليه سدًّا للذريعة.
فالحاصل: لولا المانع - وهو نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عنها - لما ترك الناس هذه الأعياد؛ لأن النفوس تتعلّق بالأعياد، لما فيها من حظوظ النفس، والشهوات، واللعب، والأكل والشرب، وغير ذلك.