×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثالث

 تحريمُ ذلك، وقد ذكر كلام الخلاّل وصاحبه، وقال القاضي: لا يجوز أن يؤاجر دارَه أو بيته ممن يتخذه بيتَ نار أو كنيسة، أو يبيع فيه الخمر، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أو لم يشرط، لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر.

وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث: لا أرى أن يبيع دارَه من كافر يكفر بالله فيها، يبيعها من مسلم أحبُّ إليَّ. قال أبو بكر: لا فرقَ بين الإجارة والبيع عنده، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة. وقال أيضًا في نصارى أَوقفوا ضيعةً لهم للبِيعَة: لا يستأجرها الرجل المسلم منهم، يُعِينهم على ما هم فيه. قال: وبهذا قال الشافعي.

فقد حرَّم القاضي إجارتَها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدًا على ذلك بنص أحمد على أنه لا يبيعها لكافر، ولا يَستكري وقفَ الكنيسة، وذلك يقتضي أن المنع في هاتين الصورتين عنده منعُ تحريم، ثم قال القاضي في أثناء المسألة: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتَها من أهل الذِّمة، مع علمه بأنهم يفعلون فيها ذلك؟ قيل: المنقول عن أحمد أنه حكى قولَ ابن عون وعَجِبَ منه، وذكر القاضي روايةَ الأثرم، وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوِّز إجارتَها من ذِمي، وكذلك أبو بكر قال: إذا أجاز أجاز، وإذا منع منع، وما لا يجوز فهو محرَّم، وكلام أحمد رحمه الله محتمل الأمرين، فإن قوله في رواية أبي الحارث: يبيعها من مسلم أحبُّ إليَّ، يقتضي أنه منعُ تنزيه، واستعظامُه لذلك في رواية المرّوذي وقوله: لا تباع من الكفار - وشدَّد في ذلك - يقتضي التحريمَ.


الشرح