وأما الإجارة فقد
سوَّى الأصحابُ بينها وبين البيع، وأن ما حكاه عن ابن عون ليس بقول له، وأن إعجابه
بفعل ابن عونٍ إنما كان لحُسْن مَقصَد ابن عون ونيّته الصالحة، ويمكن أن يقال: بل
ظاهر الرواية أنه أجاز ذلك، فإنَّ إعجابه بالفعل دليلٌ على جوازه عنده، واقتصارُه
على الجواب بفعل رجلٍ يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين.
والفرقُ بين
الإجارة والبيع: أنَّ ما في الإجارة من مَفسَدة الإعانة قد عارضه مصلحةٌ أخرى، وهو
صرفُ إرعاب المطالَبة بالكِرَاء عن المسلم وإنزال ذلك بالكفار، وصار ذلك بمنزلة
إقرارهم بالجزية، فإنه وإن كان إقرارًا لكافر، لكن لما تضمنه من المصلحة جاز،
وكذلك جازت مُهادَنة الكفار في الجملة. فأما البيعُ: فهذه المصلحة منتفيةٌ فيه،
وهذا ظاهرٌ على قول ابن أبي موسى وغيره أنَّ البيع مكروه غير محرَّم، فإن الكراهة
في الإجارة تزول بهذه المصلحة الراجحة كما في نظائره، فيصير في المسألة أربعة
أقوال.
وهذا الخلاف
عندنا والتردد في الكراهة: هو إذا لم يعقد الإيجار على المنفعة المحرَّمة، فأما إن
أجرّه إياه لأجل بيع الخمر أو اتخاذها كنيسة أو بيعة لم يَجز قولاً واحدًا.
وبه قال الشافعي
وغيره، كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور.
****
المقصود: إن كان عقد الإيجار أو البيع بمنفعة محرّمة يفعلها المشتري أو المستأجر، وكان العاقد - أي: البائع أو المؤجر – يعلم