×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثالث

    وقال أبو حنيفة: يجوز أن يؤجِّرها لذلك، وقال أبوبكر الرّازي: لا فرق عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيه الخمر وبين أن لا يشترط، لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر: أنَّ الإجارة تصِح.

ومأخذه في ذلك: أنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء، وإن شرطَ؛ لأن له أن لا يبيع فيها الخمر ولا يتخذها كنيسة، وتستحق عليه الأجرة بالتسليم في المدَّة، فإذا لم يستحق عليه فعل هذه الأشياء، كان ذكرها وترك ذكرها سواء، كما لو اكترى دارًا لينام فيها أو ليسكنها، فإنَّ الأجرة تستحق عليه، وإن لم يفعل ذلك، وكذا يقول فيما إذا استأجر رجلاً يحمل خمرًا أو ميتة أو خنزيرًا: أنه يصح؛ لأنه لا يتعيَّن حَمْل الخَمر، بل لو حَمَل عليه بدله عصيرًا، استحق الأجرة، فهذا التقييد عنده لغو، فهو بمنزلة الإجارة المطلقة، والمطلقة عنده جائزة، وإن غَلَب على ظنِّه أنَّ المستأجر يعصي فيها، كما يجوّز بيع العصير لِـمن يتخذه خمرًا، ثم إنه كره بيع السِّلاح في الفتنة، قال: لأنَّ السلاح معمول للقتال لا يصلح لغيره.

****

 ذلك، فإنَّ هذا العقد لا يجوز؛ لأنه إعانة على الباطل، وإن كان لا يعلم ذلك ففيه التردد السابق فيما نقل عن أحمد - والأحوط تجنب ذلك - هذا حاصل ما نقل عن أحمد في كل ما سبق.

أبو حنيفة رحمه الله توسَّع في هذه المسألة، فلا فرق عنده إن كان شرط في العقد فعل المحرَّم أو لم يكن؛ لأنه يقول: حتى وإن عقد عليها من أجل بيع المحرَّم فيها، فإنه لا يتعيَّن ذلك؛ لأن منافع المبيع والمستأجر كثيرة، وما دامت كثيرة، فإنَّ البيع يَصلح والإجارة تصح؛


الشرح