ولهذا لما كان
الذَّبح عِبادة في نفسه، كره علي رضي الله عنه وغير واحد من أهل العلم - منهم أحمد
في إحدى الروايتين عنه - أنَّ يوكِّل المسلم في ذبح نسيكته كتابيًّا؛ لأنَّ نفس
الذَّبح عِبادة بَدنيّة مِثل الصَّلاة، ولهذا تختص بمكان وزمان ونحو ذلك، بخلاف
تفرقة اللحم، فإنه عبادة مالية محضة.
ولهذا اختلف
العلماء في وجوب تخصيص أهل الحرم بلحوم الهدايا المذبوحة في الحرم، وإن كان الصحيح
تخصيصهم بها.
وهذا بخلاف
الصَّدقة فإنها عِبادة مالية محضة، فلهذا قد لا يؤثر فيهـا نية الوكيل على أنَّ
هذه المسألة المنصوصة عن أحمد محتملة.
فهذا تمام الكلام
في ذبائحهم لأعيادهم.
****
الأصل أنَّ التوكيل في الذبح جائز، فقد وكَّل
النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في ذبح بقيّة هدْيه، لكن يُكره للمسلم
أن يوكِّل الكتابي خشية أن يذبح باسم المسيح.
فعملية الذبح عبادة
بدنية لا يُوكَّل عليها غير مسلم، وأما تفريق اللحم فهو عبادة مالية، فَـيُتوسَّع
في التوكيل فيها.
قوله: «ولهذا اختلف
العلماء في وجوب تخصيص أهل الحرم بلحوم..» الأصل: أنَّ كل هدي أو
إطعام فلِمساكين الحرم، وأهل الحرم هم المقيمون فيه والبادين إليه من غيرهم،
والصحيح تخصيصهم بذلك.
قوله: «وهذا بخلاف الصَّدقة فإنها عِبادة مالية محضة...» فالعبادة المالية لا تؤثر فيها نية الوكيل، فلو وكل في توزيعها غير مسلم ونواها لغير الله لم توثر فيها نيته، وتبقى على نية الموكل أنها لله وإن كان يحتمل أنَّ نية الوكيل تؤثر.
الصفحة 18 / 355