كمَا في المسندِ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «شَارِبُ الْخَمْرِ، كَعَابِدِ وَثَنٍ» ([1])، والخمرُ والميسرُ قرينَانِ في كتابِ اللَّهِ تعالى، وكذلك النَّهيُ عنها معروفٌ عنِ ابنِ عمر وغيرِه من الصَّحابةِ. والمنقولُ عن أبي حنيفة وأصحابه وأحمد وأصحابه تحريمها. وأمَّا الشَّافعيُّ فإنَّه قال: أكْرَهُ اللَّعبَ بها للخبرِ. واللَّعب بالشَّطرنجِ والحمام بغيرِ قمارٍ وإنْ كرِهْنَاه أخفّ حالاً من النَّرد،..، إِلَى أن قال الشَّيخ: وهكذا نُقِلَ عنه «يعني: الشَّافعيُّ» غير هَذَا اللَّفظ ممَّا مضمُونه أنَّه يكرهها، ويرَاها دُون النَّردِ ولا ريبَ أنَّ كراهَتَه كراهةَ تَحْريمٍ. إِلَى أن قال: لكنَّ المنقولَ عنِ الشَّافعيِّ فظاهِرُ مذهبِه تَحريمُ النَّردِ مطلقًا، وإن لم يكُن فيها عِوضٌ، ولهذا قال: أكرهُهَا للخبرِ، فبيَّن أنَّ مستنَدَهُ في ذلك الخبرُ لا القياسُ عندَهُ، وهذا ممَّا احتجَّ به الجمهورُ عليه، وأنَّه إذا حرَّمَ النَّردَ ولا عِوَضٌ فيها، فالشَّطرنجُ إن لم يكُن مثلها فليسَ دونها، وهذا يعرِفُه من خبر حقيقَةَ اللَّعبِ بها؛ فإنَّ ما في النَّردِ من الصَّدِّ عن ذكرِ اللَّهِ وعن الصَّلاةِ ومن إيقاعِ العداوةِ والبغضاءِ هو في الشَّطرنجُ أكثرُ بلا ريبٍ، وهي تفعلُ بالنُّفوسِ فعل حميا الكُؤوس. فتصدُّ عُقُولَهم وقلُوبَهم عن ذِكْرِ اللَّهِ، وعن الصَّلاةِ أكثر ممَّا يفعلُهُ بهم كثيرٌ من أنواعِ الخمورِ والحشيشةِ، وقليلها يَدْعُو إِلَى كثيرِها. فتحْرِيمُ النَّردِ الخاليةِ عن عوضٍ مع إباحةِ الشَّطرنجِ مثل تحريمِ القطرَةِ من خمرِ العنبِ وإباحة الغرفة من نَبيذِ الحنطةِ! وكمَا أنَّ ذلك القولَ في غايةِ التَّناقضِ من جهةِ الاعتبارِ والقياسِ والعدلِ فهكذا القولُ في الشَّطرنجِ». إِلَى أنْ قالَ الشَّيخُ رحمه الله: «والنَّردُ والشَّطرنجُ ونحوهما من المغالباتِ فيها من المفاسِدِ
([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (3375)، وابن أبي شيبة رقم (24070).