ما لا يُحصَى، وليسَ فيها مصلحةٌ معتبرةٌ فضلاً
عن مصلحَةِ مقاومة، غايته أنْ يُلهِي النَّفسَ ويريحها كمَا يقصدُ شاربُ الخمرِ
ذلك. وفي راحةِ النَّفسِ بالمباحِ الَّذي لا يصدُّ عنِ المصالحِ ولا يجتلبُ
المفاسد غنيةٌ. والمؤمنُ قد أغنَاهُ اللَّهُ بحلالِه عن حرامِه وبفضْلِه عمَّن
سِواهُ ﴿فَإِذَا
بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ
بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ
لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ
ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ
مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ
إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا﴾ [الطَّلاق: 2- 3]،
وفي «سنن ابن ماجه» وغيره عن أبي ذَرٍّ أنَّ الآيةَ لمَّا نزلَت قال النَّبيُّ صلى
الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَمِلُوا
بِهَذِهِ الآيَةِ لَوَسِعَتْهُمْ» ([1]). وقد بيَّنَ
سُبحَانَه في هذِه الآيةِ أن المُتَّقِي يدْفُعَ عنه المُضرَّة وهو أن يجعلَ له
مخرجًا مِمَّا ضاقَ على النَّاسِ، ويجلب له المنفعَة ويرزقه من حيثُ لا يحتسبُ.
وكلُّ ما يتغذَّى به الحيّ مِمَّا تسترِيحُ به النُّفوسُ وتحتاجُ إليه في طَيبِهَا
وانشْرَاحِها فهو من الرِّزْقِ. واللهُ تعالى يرزقُ ذلك لمَنِ اتَّقاهُ بفعلِ
المأْمُورِ وتركِ المحظُورِ ومن طلَبَ ذلك بالنَّردِ والشّطرنجِ ونحوهما من
الميسرِ فهو بمنزلَةِ مَن طلَبَ ذلك بالخَمرِ، وصاحبُ الخمرِ يطلبُ الرَّاحةَ ولا
يزيده إلاَّ تعبًا وغمًّا، وإن كانت تُفِيدُه مِقدَارًا من السُّرورِ، فما تعقبه
من المضارِّ ويفوتُه من المسارِّ أضعاف ذلك، كمَا جرَّب ذلك من جرَّبَه، وهكذا
سائِرُ المحرَّماتِ».
ثمَّ قالَ رحمه الله في موضعٍ آخر، لمَّا ذكرَ الحُكمَ في حالةِ خلوِّ اللَّعبِ بالشَّطرنجِ عنِ العِوضِ وترك الواجباتِ وفِعْلِ المحرَّماتِ،
([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (4220)، وأحمد رقم (21551)، والحاكم رقم (3819).