وهل يَسْتَدِلُّ بوجودِ اللَّذَّةِ والملائمة
على حِلِّ اللَّذيذِ الملائمِ أحدٌ؟ وهل خلتْ غَالبُ المحرَّماتِ من اللَّذَّاتِ؟
وهل أصواتُ المعازفِ الَّتي صحَّ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تحريمها، وإنَّ
في أمَّتِهِ من سيستحلُّها بأصحِّ إسنادٍ، وأجمعَ أهلُ العلمِ على تحريمِ بعضِها،
وقال جمهورُهُم، بتحريمِ جملِتها إلاَّ لذيذةً تلذُّ السَّمع؟» ا هـ. وقال
العلاَّمةُ ابنُ الجوزيِّ في كتابِ: «تلبيسُ إبليسِ»: اعلمْ أنَّ سماعَ الغناءِ
يَجْمعُ شيئينِ: أحدَهما: أنَّه يُلْهي القلبَ عنِ التَّفكُّر في عظمةِ
اللَّهِ سبحانَهُ والقيامِ بخدمَتِهِ. والثَّاني: أنَّه يُمَيِّلُهُ إلى
اللَّذَّاتِ العاجلةِ الَّتي تدعو إلى استيفائِهَا من جميعِ الشَّهواتِ
الحسِّيَّة، ومعظمها النِّكاحُ، وليسَ تمامُ لذَّته إلاَّ في المتجدِّداتِ ولا
سبيلَ إلى كثرةِ المتجدِّداتِ من الحلِّ؛ فلذلكَ يحثُّ على الزِّنا، فبَيْنَ
الغناءِ والزِّنا تناسبٌ من جهةِ أنَّ الغناءَ لذَّةُ الرُّوحِ، والزِّنا أكبرُ
لذاتِ النَّفسِ، ولهذا جاءَ في الحديثِ: «الْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَى» ([1]). ا هـ.
الأمرُ الثَّاني: ممَّا يلاحظُ على المؤلِّفِ في هذه الجملةِ: قولُهُ عنِ الغناءِ: «وقدْ أباحَهُ الإسلامُ ما لم يشتمِلْ على فُحْشٍ أو خَنَا أو تحريضٍ على إثمٍ»؛ فقد تخيَّل المؤلِّفُ خلوَّ الغناءِ من هذه المفاسدِ، وبنى على هذا التَّخيُّلِ الحكمَ بإباحتِهِ ونسبَ ذلك إلى الإسلامِ. وهذا من المجازفةِ في القولِ ومن القولِ على اللَّهِ بلا علمٍ، لأنَّ الواقعَ خلافُهُ، فالإسلامُ ما أباحَ الغناءَ لا سيَّما الغِناءَ المعروفَ في هذا العصرِ، والَّذي أصبحَ فنًّا يشتملُ على أصواتٍ رخيمةٍ من المغنِّينَ والمغنِّياتِ، ومصحوبًا بالآلاتِ الموسيقيَّةِ المُطربةِ، وموضوعُهُ العشقُ والغرامُ والتَّحريضُ على الفاحشةِ. وهذا النَّوعُ هو موضوعُ تساؤلِ النَّاسِ اليومَ عن حكمِهِ.
([1])أخرجه: البيهقي في الشعب رقم (4754) من قول الفضيل بن عياض.