×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

 بل حُرمَتُه بأدلَّةٍ كثيرةٍ من الكتابِ والسُّنَّةِ منها قولُهُ تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ الآياتُ، [لقمان: 6]، قالَ العلاَّمةُ ابنُ القيِّمِ رحمه الله: «ويَكْفي تفسيرُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ للَهْوِ الحديثِ بأنَّه الغناءُ فقد صحَّ ذلكَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ وابنِ مسعودٍ قال أبو الصَّهباءِ: سألتُ ابنَ مسعودٍ عن قولِهِ تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ [لقمان: 6] فقال: واللَّهِ الَّذي لا إلهَ غيرُهُ هو الغناءُ. يردِّدُهَا ثلاثَ مرَّاتٍ وصحَّ عنِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أيضًا أنَّه الغناءُ، إلى أن قال: ولا تَعَارُض بين تفسيرِ لَهْوَ الحديثِ بالغناءِ وتفسيرِهِ بأخبارِ الأعاجمِ وملوكِهِم و ملوكِ الرُّومِ ونحوِ ذلك ممَّا كان النَّضرُ بنُ الحارثِ يُحَدِّثُ به أهلَ مكَّة، يُشْغِلُهُم به عنِ القرآنِ وكلاهُمَا لهْو الحديثِ. ولهذا قالَ ابنُ عبَّاسٍ: لهْوُ الحديثِ الباطلُ والغناءُ، فمنَ الصَّحابةِ من ذَكَرَ هذا، ومنهم من ذَكَرَ الآخرَ ومنهم من جمعَهُمَا، والغناءُ أشدُّ لهوًا وأعظمُ ضررًا من أحاديثِ الملوكِ وأخبارِهم؛ فإنَّه رُقْيَةُ الزِّنا ومنبتُ النِّفاقِ وشركُ الشَّيطانِ وخمرةُ العقلِ؛ وصدُّه عنِ القرآنِ أعظمُ من صدِّ غيرِهِ من الكلامِ الباطلِ لشدَّةِ ميلِ النُّفوسِ إليه ورغبَتِهَا فيه، إذا عُرِفَ هذا فأهلُ الغناءِ ومستمعُوهُ لهم نصيبٌ من هذا الذَّمِّ، بحَسَبِ اشْتِغالِهِم بالغناءِ عنِ القرآنِ، وإن لم يَنَالوا جميعَهُ؛ فإنَّ الآياتِ تضمَّنت ذمَّ استبدالِ لَهْوَ الحديثِ بالقرآنِ ليُضِلَّ عن سبيلِ اللَّهِ بغيرِ علمٍ ويتَّخذَها هزوًا، وإذا يُتلى عليه القرآنُ ولَّى مستكبرًا كأنْ لم يسمَعْه كأنَّ في أُذنيْهِ وقرًا، وهو الثِّقلُ والصَّممُ، وإذا عَلِمَ منه شيئًا استهزأَ بِهِ، فمجموعُ هذا لا يقعُ إلاَّ من أعظمِ النَّاس كفرًا، وإن وقعَ بعضُهُ للمغنَّيينَ ومستمِعِيهم فَلَهم حصَّةٌ ونصيبٌ من هذا الذَّمِّ». انتهى من «إغاثة اللَّهفانِ» (1/ 258، 259).


الشرح