بالاعتباراتِ الثَّلاثةِ إدراكًا وفهمًا وتدبرًا وإجابةً. وكلُّ سماعٍ في القرآن مَدَح اللَّهُ أصحابَهُ، وأثنى علَيْهِم، وأمرَ بِهِ أولياءَهُ فهو هذا السَّماعُ وهو سماعُ الآياتِ، لا سماعَ الأبياتِ، وسماعُ القرآنِ لا سماعَ مزاميرِ الشَّيطانِ، وسماعُ كلامِ ربِّ الأرضِ والسَّماءِ، لا سماعَ قصائدِ الشُّعراءِ، وسماعُ المراشدِ، لا سماعَ القصائدِ، وسماعُ الأنبياءِ والمرسلينَ لا سماعَ المغنِّينَ والمطربينَ، إلى أنْ قَالَ: ويا للَّهِ العجب، أيُّ إيمانٍ ونورٍ وبصيرةٍ وهدًى ومعرفةٍ، تحصلُ باستماعِ أبياتٍ بألحانٍ وتوقيعاتٍ، لعلَّ أكثرَهَا قيلتْ فيما هو محرَّمٌ، يبغضُهُ اللَّهُ ورسولُهُ ويعاقبُ عليهِ، إلى أن قَالَ: فكيفَ يقعُ لِمَن هو أدنى بصيرةً وحياةَ قلبٍ أن يتقرَّبَ إلى اللَّهِ ويزدادُ إيمانًا وقربًا منْهُ وكرامةً عليهِ بالْتِذَاذِهِ بما هو بغيضٌ إلِيهِ، مَقِيتٌ عندهُ يمقتُ قائِلَه والرَّاضي بِهِ. وتترقَّى بِهِ الحالُ حتَّى يزعمَ أنَّ ذلكَ الحديثَ أنفعُ لقلبِهِ من سماعِ القرآنِ والعلمِ النَّافعِ وسنةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، يا للَّهِ إنَّ هذا القلبَ مخسوفٌ بِهِ، ممكورٌ بِهِ، منكوسٌ لم يصلحْ لحقائِقِ القرآنِ وأذواقِ معانِيهِ ومطالعةِ أسرارِهِ. فبلاه بقراءةِ الشَّيطانِ كما في معجمِ الطبرانِيّ وغيره مرفوعًا وموقوفًا: «أَنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: يَا رَبِّ اجْعَلْ لِي قُرْآنًا! قَالَ: قُرْآنُكَ الشِّعْرُ، قَالَ: اجْعَلْ لِي كِتَابًا! قَالَ: كِتَابُكَ الْوَشْمُ، قَالَ: اجْعَلْ لِي مُؤَذِّنًا! قَالَ: مُؤَذِّنُكَ الْمِزْمَارُ، قَالَ: اجْعَلْ لِي بَيْتًا! قَالَ: بَيْتُكَ الْحَمَّامُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي مَصَائدًا! قَالَ: مَصَائِدُكَ النِّسَاءُ، قَالَ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا! قَالَ: طَعَامُكَ مَا لَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمِي» ([1])، واللَّهُ سبحانه وتعالى أعلمُ». انتهى.
([1])أخرجه: الطبراني في الكبير رقم (7837).