×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

وَأمَّا قَوْلُكَ: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن آطَام المَدينَة أن تُهْدم، فَعَليك إقامةُ الدَّليل الصَّحيح عَلَى ذَلِكَ، لا مُجرَّد نَقْل الرِّوايات دُون تَصْحيح من أَهْل الحَديث المُعتَبرين، وأيْنَ هي آطَام المَدينَة الآن؟ لقَدْ هُدِمَتْ من أزمانٍ طويلةٍ، وكثيرٌ مِنْهَا لليَهُود، وقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم: ﴿يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ [الحشر: 2]، ولقَدْ هُدمَت بُيُوتُ الصَّحابة، وَزَالت مُنذُ زمنٍ طَويلٍ، ولَوْ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أمرَ بالمُحَافظة عَلَى الآثَار، لم تُهْدم هَذِهِ البُيُوت والحَارات بأَكْمَلها؛ لأنَّهُ لا يجُوزُ للمُسْلِمِين أنْ يُخَالفُوا أمرَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.

وأمَّا ما ذَكَرتهُ فِي الحلقة الأَخيرة من ردِّك من أنَّ المُرادَ فِي اتِّخاذ القُبُور مَسَاجد بأنَّ الرَّاجح عندك أنَّ المُراد السُّجُود لَها عَلَى وَجْه تَعْظيمها بنيَّة عبَادَتها كَمَا يسجُدُ المُشركُون للأصْنَام، فهَذَا رأيُكَ الخاصُّ، وأمَّا معناهُ عند العُلَماء المُحقِّقين فهُو الصَّلاةُ عندها؛ لأنَّ ذَلِكَ وَسيلةٌ إِلَى الشِّرْك، وقَدْ جاء الشَّرعُ بسدِّ الذَّرائع المُفْضية إِلَى الشِّرْك، فالسُّجُودُ لها شِرْكٌ أكْبَر، والسُّجُودُ إلَيْها وَسيلةٌ إِلَى الشِّرْك، وأمَّا إنْكَارُك أنَّهُ لم يبن عَلَى القُبُور فِي البلاَد المُجَاورةُ، فهَذَا يُكذِّبهُ الوَاقعُ المُشَاهدُ من كَثْرة الأضْرحَة المبنيَّة فِي تِلْكَ البلاَد، وما يَجْري حَوْلها من الشِّرْك الأكبر الَّذي لا يُنكرُهُ إلاَّ مُكابرٌ، وخيرٌ لكَ الرُّجُوع إِلَى الحقِّ، فإنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الحقِّ خيرٌ من التَّمادي فِي الباطل، ومنَ الإطَالة فِي الكَلاَم ممَّا لا فائدةَ فيه، واللَّهُ يُوفِّقُنا وإيَّاك للعِلْمِ النَّافع، والعَمل ومَعْرفة الحقِّ والعَمَل به، ومَعْرفة الباطل وتَجنُّبه، وأنْ يَقينَا وإيَّاك شرَّ الأهْوَاء، وَصلَّى اللَّهُ وسلَّم عَلَى نبيِّنا مُحمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبه.

****


الشرح