الخُصُوصيَّةُ الَّتي تَكُون فيما انْفصَل من
جَسَده الشَّريف، فقياسُ غَيْرها عَلَيْها قياسٌ فاسدٌ؛ لأنَّهُ قياسٌ مع الفَارق.
ومن ذَلِكَ أيضًا: استدلالُ الدُّكتُور فِي ردِّه عَلَى الشَّيخ عَلَى إحْيَاء الآثَار، بقيَاسهَا عَلَى المَوَاضع الَّتي صلَّى فيها الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بطَلبٍ من أصْحَابها، بقَصْد أن يُصلِّي فيها مَنْ طلبَ منهُ ذَلِكَ، كصلاتِهِ فِي مَوْضعٍ من بيت عتبان بْن مالك رضي الله عنه لمَّا طلبَ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم صَلاَتهُ فِي ذَلِكَ المكان، وكَصَلاته فِي موضعٍ من بيت أُمِّ سليمٍ رضي الله عنها حينَمَا طَلَبتْ منهُ ذلك، فهَذِهِ مواضعُ قَصَد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ فيها، وهي خاصَّةٌ بأَصْحَابها، بدليل أنَّ الصَّحابةَ لم يكُونُوا يَذْهبُون إِلَى بيت عتبان وبيتِ أمِّ سليمٍ ليصلُّوا فِي تِلْكَ المواضع، ويَتبرَّكُوا بها ولَمْ يحتفظُوا بأَمْكنتها بعد وَفَاة أصْحَابها، وفَرْقٌ بينها وبين الأَمْكنة الَّتي صلَّى فيها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم اتِّفاقًا، ولم يُرِدْ أن تتَّخذ مُصلَّياتٍ من بَعْده، وقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّ مُسلمٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فعِنْدهُ مَسْجدُهُ وطهُورُهُ» ([1])، فَهُو صلَّى فِي تِلْكَ المَوَاضع اتِّفاقًا من غير قصدٍ، ولم يُرِدْ أن تُتَّخذ من بَعْده مواضعَ للصَّلاة والتَّبرُّك بدَليل أنَّ الصَّحابة ما كانُوا يَقْصدُونها من بَعْده ويَتردَّدُون عَلَيْها، ولم يحتفظُوا بها، وما كَانَ مِنْ فِعْلِ ابن عُمرَ رضي الله عنهما فإنَّهُ اجتهادٌ انْفَرد به، ولم يُوافقْهُ الصَّحابةُ عَلَيْه، بل خالَفهُ فيه مَنْ هُو أفضلُ منهُ كأَبِيهِ وغيرهُ من المُهَاجرين والأنصار، ومَنْ كَانَ يُريدُ الخيرَ، فهَذِهِ بُيُوت اللَّه الَّتي أَذِنَ اللَّه أن تُرْفع ويُذْكر فيها اسمُهُ مفتُوحةً للمُصلِّين والمُعْتكفين وَالذَّاكرين، ولم يَشْرع اللَّهُ لنا إحياءَ الآثَار، والبُكَاء عَلَى الأطْلاَل والدِّيار، ولم يَأْذن برَفْعها والتَّردُّد عَلَيْها.
([1])أخرجه: البخاري رقم (335)، ومسلم رقم (521).