ثُمَّ من العَجيب الغَريب اسْتدلاَل الدُّكتُور عُمر عَلَى مشرُوعيَّة
إحْيَاء الآثَار بأنَّ اللَّه سبحانه وتعالى أَمرَنا أن نَتَّخذ من مَقَام
إبراهيمَ مُصلًّى، وَشَرع لنا السَّعي بَيْن الصَّفا والمروة، والوُقُوف فِي
مَشَاعر الحجِّ، فهل يُريدُ منَّا الدُّكتُور أن نزيدَ عَلَى هَذِهِ المشاعر
مشاعرَ أُخرى للحجِّ، ونَتَّخذ دينًا لم يُشرِّعهُ اللَّهُ لنا، وهُو يعلمُ أنَّ
العبَادَات وأمْكنَة العبَادَات الخاصَّة توقيفيَّةٌ لا يجُوزُ لنا أن نزيدَ فيها،
أو ننقُصَ منها، كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَإِيَّاكُمْ
وَمُحْدَثَاتِ الأُْمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ
ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ ضَلاَلةٍ فِي النَّار» ([1])، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا
لَيْسَ مِنْه فَهُوَ رَدٌّ» ([2])، وفي روايةٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ
رَدٌّ» ([3]).
ثُمَّ استدلَّ الدُّكتُور فِي مَعْرض ردِّه عَلَى مقالي، استدلَّ عَلَى
مشرُوعيَّة إحْيَاء الآثَار بأنَّ المَلاَئكة جَاءَتْ بالتَّابُوت الَّذي فيه
آثَارُ مُوسَى وَهارُون إِلَى بَني إسْرَائيل.
ونقُولُ للدُّكتُور:
أوَّلاً: هَذَا شَرْعُ مَنْ قبلنا،
وقَدْ جاء شرعُنَا بخلافِهِ، فلم يَأْمُرنا شرعُنَا بالاحْتفَاظ والعنَاية
بالآثَار، بَلْ نَهَانا عن إحْدَاث شيءٍ فِي الدِّين واعْتَبرهُ بدعةً.
ونقُولُ ثانيًا كَمَا أَسْلفنا: إنَّ الآثَار الَّتي هي من مُسْتعملات النَّبيِّ الخاصَّة، وما انْفصَل من جَسَده، يجُوزُ التَّبرُّكُ بها، وما تَرَك آلُ مُوسى وآلُ هَارُون هُو من هَذَا القبيل بخلاَف الأَمْكنة والمَنَازل والبِقَاع الَّتي نزل
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4607)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17144).