وبقَوْله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ
بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي» ([1]).
إنَّ الرِّفاعيَّ وَالبُوطي يَدْعُوان إِلَى تَرْك ذَلِكَ كُلِّه، والأَخْذ
بما عَلَيْه الفِرَقُ الضَّالَّةُ المُنْحرفةُ الَّتي قَالَ فيها النَّبيُّ صلى
الله عليه وسلم: «وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُْمَّةُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ
فِرْقَةً؛ كُلُّهَا فِي النَّارِ إلاَّ وَاحِدَةً» ([2])، وهَذِهِ الوَاحدَةُ هيَ الفِرْقةُ المُتمسِّكةُ بمَا كَانَ عَلَيْه
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابه بخلاَف غَيْرها من قُبُوريَّةٍ
وَصُوفيَّةٍ وجَهْميَّةٍ ومُعْتزلةٍ وغَيْرها، وَهَذَا الافتراقُ هُوَ الَّذي
سَبَّب التَّناحُرَ والشِّقاقَ بَيْن الأُمَّة.
وَالبُوطي والرِّفاعيُّ يُريدَان للأُمَّة البَقَاء عَلَى هَذَا
الافْتِرَاقِ تَحْت مَظلَّة اسْم الإِسْلاَم، إنَّني تَذكَّرتُ بتَآمُرهما هَذَا
عَلَى مَنْ تَمسَّك بالسُّنَّة، وَتَرك البِدْعَة - قولَ الشَّاعر:
ذَهَبُ الرِّجال المُقْتدَى بفِعِالِهم *** والمُنْكرُون لكُلِّ فِعْلٍ
مُنْكرِ
وَبَقيت فِي خَلَفٍ يُزكِّي بعضُهُم *** بعضًا ليَدْفع مُعْور عن مُعْورِ
وأقُولُ: لماذا خَصَّا عُلماءَ نَجْد
بنَصيحَتهما هَذِهِ مع أنَّ المُتمسِّكين بالسُّنَّة - والحَمْدُ للَّه - كَثيرُون
فِي أقْطَار الأَرْض، وفِي مُخْتلف البلاَد، ما ذَاك إلاَّ ليُوهمَا الأغْرَار
أنَّ أَهْل نَجْد أَهْل شُذُوذٍ وخُرُوجٍ عن الحقِّ، عَلَى قَاعدَة مَنْ يَرى أنَّ
كُلَّ مُتمسِّكٍ بالحقِّ فَهُو مُتطرِّفٌ، وَلَكن هَذَا لا يُضيرُ، فَالحقُّ
وَاضحٌ يَراهُ كُلُّ بَصِيرٍ، وأمَّا الأَعْمَى فلاَ حيلةَ فِيهِ، كَمَا قَالَ
الشَّاعرُ:
وقُلْ للعُيُون الرُّمد للشَّمس أَعْيُن *** سوَاك تَرَاها فِي مَغيبٍ
ومَطْلعِ
وَسَامح عُيُونًا أَطْفأ اللَّهُ نُورَها *** بأَهْوَائها فلا تُفيقُ ولاَ تَعي
([1])أخرجه: الحاكم رقم (319)، والبيهقي رقم (4606).