وَقَالَ الآخَرُ:
قَدْ تُنْكر العينُ ضوءَ الشَّمس من رَمَد *** ويُنْكرُ الفمُ طعمَ المَاءِ
من سَقَمِ
وَإِذَا كَانَا يَغَاران عَلَى الأُمَّة الإِسْلاَميَّة كَمَا زَعَما،
فلمَاذَا لا يُحذِّرانها من البدَع والانْحرَافات الَّتي تُفرِّقُها وَتصُدُّها
عَنْ سَبيل اللَّه، وتَقْضي عَلَى وَحْدتها وَقُوَّتها، وَخُذْ مَثلاً من عَجْرفة
هَذَا البُوطي فِي مُقدِّمته لتِلْكَ النَّصيحَة لتَسْتَدلَّ به عَلَى مبلغ ما
عِنْدهُ من العِلْمِ؛ حيثُ قَالَ فِي صَفْحة (19، 20) يُخَاطبُ عُلماءَ نَجْد:
«وإِذًا لأَقْلَعتُم عَنْ تَرْديد تِلْكَ الكلمَة الَّتي تظُنُّوها نَصيحةً، وَهي
بَاطلٌ من القَوْل، وتحسُبُونها أمرًا هيِّنًا، وَهي عندَ اللَّه عظيمٌ، ألا وَهي
قَوْلُكُم للحَجيج فِي كَثِيرٍ من المُنَاسبات: إيَّاكُم والغُلُوَّ فِي مَحبَّة
رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولَوْ قُلتُم كَمَا قَالَ رسُولُ اللَّه: «لاَ
تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ» ([1]) لكَانَ كلامًا مَقْبُولاً، ولكَانَ نَصيحَة غَالية».
وهَذَا كلامُهُ بنصِّه، وقَدْ بَخلَ فيه أن يُصلِّي عَلَى النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم عندما ذَكَرهُ، وَعَاب عَلَى أَهْل السُّنَّة إنْكَارَهُم
للغُلُوِّ الَّذي أنْكَرهُ اللَّهُ بقَوْله تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ﴾ [النِّساء: 171]،
وأَنْكَرهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَوْله: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ؛
فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ» ([2]).
ثُمَّ مَا الفَرْقُ بَيْن الغُلُوِّ والإطْرَاء الَّذي نَهَى عنهُ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي حقِّه، إنَّ مَعْناهُما واحدٌ إلاَّ عندَ البُوطي اختراعًا من عِنْدِه حَمَلهُ عَلَيْه الحقدُ والبغضاءُ لأَهْل الحقِّ، والحَمْدُ للَّه أنَّهُ لَمْ يجد عَلَى أَهْل الحقِّ ما يُعَابُون به سوَى هَذِهِ الكَلمَة الَّتي زَعمَها باطلاً، وَهي حقٌّ.
([1])أخرجه: البخاري رقم (3445).