المُقدِّمة
الحَمْدُ للَّه ربِّ العَالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى نَبيِّنا
مُحمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبه أجْمَعين. أمَّا بَعْد:
فَقَد اطَّلَعتُ عَلَى نُبْذةٍ كَتَبها المَدعُوُّ: فيصلُ مُرَاد علي رضا،
بعُنْوان: «العُلَماء وأقْوَالهم فِي شَأْن المَوْتى وأحْوَالهم»، نقلَ فيهَا
جُمَلاً من «فَتَاوى شَيْخ الإِسْلاَم ابْن تَيْمية»، وَكتَاب «الرُّوح» لابْن
القيِّم، وَفِي الكتَاب المَنْسُوب خَطأً للإمَام مُحمَّد بْن عَبْد الوَهَّاب،
بعُنْوان: «أحْكَام تمنِّي المَوْت» ليستدلَّ بتِلْكَ النُّقُولات عَلَى أنَّ
المَوْتى يَسْمعُون كَلاَم مَنْ خَاطَبهُم، ويَعْرفُون مَنْ مَرَّ بهم، أَوْ وَقَف
عندَ قُبُورهمْ، وهَذَا لا شكَّ فَتَح بابًا لدُعَاء الأمْوَات والاسْتغَاثة بِهِم
من دُون اللَّه، كَمَا يَفْعلُ عُبَّادُ القُبُور، وَدينُنَا جَاءَ بسَدِّ
الذَّرائع الَّتي تُفْضي إِلَى الشِّرْك، وأحْوَال الأمْوَات فِي قُبُورهم هيَ من
أحْوَال البَرْزخ، وأُمُور الغَيْب الَّتي لاَ يَعْلمُها إلاَّ اللَّهُ، ويتوقَّفُ
القَوْلُ فيهَا عَلَى الدَّليل الصَّحيح الثَّابت عَنْ رسُولِ اللَّه صلى الله
عليه وسلم الَّذي لا يَنْطقُ عن الهَوَى، ويقصُرُ الاسْتدلاَل بها عَلَى ما وَرَدت
فِيهِ فَقَطْ، ولاَ تُعَمم عَلَى أَحْوَالٍ لم تَرِدْ فيها.
وَمَا فَائدةُ المُسْلِمِين من هَذَا البَحْث؟ هَلْ سيَسْتفيدُ منهُ الأمْوَاتُ أَو الأحْيَاء؟ إنَّ الأمواتَ لاَ يَنْفعُهُم إلاَّ أعْمالُهُم، أَوْ ما وَرَد به الدَّليلُ فِي ثَوَاب أعْمَال غَيْرهم، من دُعاءٍ، وَصَدقةٍ، وَحجٍّ، أوْ عُمْرةٍ، كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آَدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ([1])، ومَا وَرَد بمَعْناهُ، وما عَدَا
([1])أخرجه: مسلم رقم (1631).