ذَلِكَ فإنَّهُ لا يَسْتفيدُ من أعْمَال
الأحْيَاء شيئًا؛ لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [يس: 54]، وقَوْله
تَعَالَى: ﴿وَأَن
لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ [النَّجم: 39].
وَأمَّا الأَحْيَاءُ، فَإنَّهُم لا يَسْتفيدُون من زيَارَة القُبُور إلاَّ
أَجْر الزِّيارة، والعَمَل بالسُّنَّة، والاتِّعاظ بأحْوَال المَوْتى، لا كَمَا يقُولُهُ
الخُرافيُّون: إنَّهُم يحصُلُون عَلَى مَدَدٍ من الأمْوَات، أو بَرَكةٍ من
تُرْبتهم، فإنَّ هَذَا من اعْتقَاد الجَاهليَّة، ومن الشِّرْك الَّذي حَرَّمهُ
اللَّه ورسُولُهُ.
وقَدْ بَيَّن لنَا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ما نَفْعلُهُ مع أمْوَاتنا؛
قَالَ الإمامُ ابنُ القيِّم فِي «زاد المَعَاد» (1/139): «كَانَ هَدْيُهُ صلى الله
عليه وسلم فِي الجَنَائز أكْمَل الهَدْي، مُخَالفًا لهَدْي سَائر الأُمَم،
مُشْتملاً عَلَى الإحْسَان للميِّت، ومُعَاملته بمَا ينفعُهُ فِي قَبْره ويَوْم
مَعَاده، وَعَلَى الإحْسَان إِلَى أهلِهِ وأقاربِهِ، وَعَلَى إقامة عُبُوديَّة
الحيِّ للَّه وَحْده فيمَا يُعَامل به الميِّت.
وكَانَ من هَدْيه صلى الله عليه وسلم فِي الجَنَائز إقَامة العُبُوديَّة
للرَّبِّ - تَبارَكَ وتَعَالَى - عَلَى أكْمَل الأحْوَال، والإحْسَان إِلَى
الميِّت، وتَجْهيزه إِلَى اللَّه عَلَى أحْسَن أحوالِهِ وأفْضَلها، ووُقُوفه
ووُقُوف أصحابِهِ صُفُوفًا، يَحْمدُون اللَّه، ويَسْتغفرُون لهُ، ويَسْألُونهُ
المَغْفرةَ والرَّحْمة والتَّجاوُز عَنْهُ، ثُمَّ المَشْي بَيْن يَدَيه إِلَى أنْ
يُودعَهُ فِي حُفْرته، ثُمَّ يقُومُ هُو وأصحابُهُ بَيْن يَدَيه عَلَى قَبْره،
سَائِلِين لهُ التَّثبيتَ أحْوَج ما يكُونُ إلَيْه، ثُمَّ يَتعَاهده بالزِّيارة
لهُ فِي قَبْره، والسَّلام عَلَيْه، والدُّعَاء لهُ». انْتهَى.
هَذَا هَدْيه صلى الله عليه وسلم الَّذي كَانَ يفعلُهُ، والَّذي عَلَّمنا
إيَّاهُ فِي أمْوَات المُسْلِمِين، والَّذي يُطْلب منَّا تطبيقُهُ، أمَّا البحثُ
عَنْ سَمَاع الأمْوَات، ومَعْرفتهم بمَنْ يَأْتيهم، إِلَى غَيْر ذَلِكَ فَهُو من
الفُضُول الَّذي لا فَائدَة فيه،