وقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ
بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ﴾ [المُمتحنة: 1].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ
يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ
أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ﴾ [المُجادلة: 22]... إلَى
غَيْر ذَلِكَ من الآيَات، ولَيْس مَعْنى مُعَاداة الكُفَّار وبُغْضهم أنَّنا
نَظْلمُهُم أَوْ نَعْتدي عَلَيْهم، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ عَلَى أَلَّا تَعۡدِلُواْ ٱعۡدِلُواْ
هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ﴾ [المائدة: 8] ؛ بَلْ يَجبُ عَلَينا الوفاءُ بالعُهُود مَعهُم، وأنْ نَعْقد
الهُدْنة بَيْننا وبَيْنهُم إِذَا اقْتضَت مَصْلحةُ المُسْلِمِين ذَلِكَ، وأَنْ
نَحْترم دمَاء المُعَاهدينَ والمُسْتأمنينَ والذِّمِّيِّين وأَمْوَالهم، وألاَّ
نَقْتلَ نِسَاءهُم ولا صِبْيَانَهُم ولا شُيُوخَهم إِذَا دَارَت المعركةُ بَيْننا
وبَيْنهُم، ولا مانعَ من التَّعامُل مع الكُفَّار بتَبادُل المَنَافع وَالتِّجارة
والاسْتفَادة من خِبْرَاتهم ومَصْنُوعاتهم، ولا مَانع من مُكَافأة المُحْسنين
مِنْهُم إلَيْنا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي
ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ
إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ﴾ [المُمتحنة: 8]، لا مانعَ أَنْ نأكُلَ من ذَبَائح
أَهْل الكتَاب، وَنَتزوَّجُ من نِسَائِهِم المُحْصنات.. وهَذِهِ تَعامُلاتٌ
دُنيويَّةٌ لا تَقْتضي مَحبَّتهُمْ فِي القُلُوب؛ بَلْ نَتعَامل مَعهُم هَذِهِ
التَّعامُلات مع بُغْضهم فِي القُلُوب.
فَدينُ الإِسْلاَم لَيْسَ دينَ مَحبَّةٍ فَقَط، كَمَا يقُولُهُ بعضُ
الجُهَّال، إنَّما هَذَا دينُ النَّصارى، وَلاَ دين بُغْض الكَافرينَ؛ فالنَّاسُ
عَلَى ثَلاثة أقْسَامٍ: منهُم مَنْ يُحبُّ مَحبَّةً خالصةً، وهُوَ المُؤمنُ
المُستقيمُ، ومنهُم مَنْ يُبْغَضُ بُغْضًا خالصًا وهُمُ الكُفَّارُ، ومنهُم مَنْ
يُحبُّ من وَجْهٍ ويُبْغضُ من وَجْهٍ وَهُو المُؤمنُ الفَاسقُ، يُحبُّ لمَا فيه من
الإيمَان، ويُبْغضُ لمَا فيه من المَعْصية.