×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

رَابعًا: قضيَّةُ اخْتلاَف العُلمَاء، والمَوْقف من ذَلِكَ:

الاخْتلاَفُ عَلَى أقْسَامٍ:

القِسْمُ الأوَّلُ: الاخْتلاَفُ فِي العَقيدَة، وهَذَا لا يجُوزُ؛ لأنَّ العقيدَةَ لَيْست مَجالاً للاجْتهَاد والاخْتلاَف؛ لأنَّها مبنيَّةٌ عَلَى التَّوقيف، ولا مَسْرح للاجْتهَاد فيهَا، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا ذَكَر افْتراقَ الأُمَّة إِلَى ثَلاَثٍ وسَبْعين فِرْقةً، قَالَ: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إلاَّ وَاحِدَةً» قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» ([1]).

القِسْمُ الثَّاني: الخلاَفُ الفقهيُّ الَّذي سَببُهُ الاجتهادُ فِي اسْتنبَاط الأحْكَام الفقهيَّة من أدلَّتها التَّفصيليَّة، إِذَا كَانَ هَذَا المُجْتهدُ ممَّن تَوفَّرت فيه مُؤهِّلاتُ الاجْتهَاد، ولكنَّهُ قد ظَهَر الدَّليلُ مع أَحَد المُجْتهدين، فإنَّهُ يَجبُ الأخذُ بما قَامَ عَلَيْه الدَّليلُ، وتَرْك ما لا دَليلَ عَلَيْه.

قَالَ الإمَامُ الشَّافعيُّ رحمه الله: أَجْمَعَت الأُمَّةُ عَلَى أنَّ مَن اسْتَبَانت لَهُ سُنَّةُ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لَمْ يكُنْ لَهُ ليَدَعها لقَوْل أَحَدٍ، وذَلكَ لقَوْل اللَّه تَعَالَى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا [النِّساء: 59].

قَالَ الإمَامُ ابْنُ القيِّم رحمه الله:

العِلْمُ قَالَ اللَّهُ قَالَ رسُولُهُ *** قَالَ الصَّحابةُ هُمْ أُولُو العِرْفانِ

ما العِلْمُ نَصْبك للخلاَف سَفَاهةً *** بَيْن النُّصُوص وبَيْن قَوْل فُلانِ

وقَالَ آخَرُ:

ولَيْس كُلُّ خلاَفٍ جاءَ مُعْتبرًا *** إلاَّ خلاَفٌ لهُ حظٌّ من النَّظرِ


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2641).