وإلَى جَانب المَسَاجد، أُسِّسَتْ دُور العِلْمِ فِي المَدَارس والمَعَاهد
والكُلِّيَّات والجَامعَات، وَكَانَ يتخرَّجُ من المَسَاجد ومن دُور العِلْمِ
أجيالٌ من العُلَماء يَتولَّون المَسْؤُوليَّات العلميَّة القياديَّة فِي
الأُمَّة، وكَانَ الأمرُ مُنْسجمًا تَمَام الانْسجَام، وكَانَ العِلْمُ مُنْضبطًا
محفُوظًا من تَأْويل الجَاهِلِين وانْتحَال المُبْطلين، لا يَتكلَّمُ به إلاَّ مَنْ
هُو مُؤهَّلٌ مشهُودٌ لهُ بالأهليَّة والأمَانَة، ومَنْ خَرَج عن هَذَا المَنْهج،
وَتَلقَّى العِلْمَ من غير مَصَادره، وفي غير أمكنتِهِ المَعْرُوفة، صَارَ
مَنْبُوذًا لا يُوثَقُ به، مثل: فِرْقَة الخَوَارج، والمُعْتزلة، والجهميَّة،
ومَنْ سَارَ فِي رِكَابِهِمْ من الفِرَقِ الضَّالَّة، فإنَّ الخَوَارجَ لمَّا
اعْتَزلُوا مَجَالسَ العُلَماء واقْتَصرُوا عَلَى فَهْمهم الكَاسد، ضَلُّوا
وأَضلُّوا، وكَفَّرُوا خيارَ الأُمَّة، واستحلُّوا دِمَاءهُم، وَصَارُوا سُبَّةً
فِي التَّاريخ الإِسْلاَميِّ، ولَمْ يَنالُوا خيرًا، وقَدْ سَار عَلَى نَهْجهم
المُنْحرف طَوائفُ من حُدَثاء الأسْنَان، وسُفَهاء الأحْلاَم، وَصَارُوا يُعِيدُون
تَاريخَهُم الضَّالَّ الأسْوَد.
وخَيْر شَاهِدٍ عَلَى ذَلِكَ ما نُشاهدُهُ الآن من جَمَاعاتٍ ابْتعَدت عَن
الدِّراسة عَلَى المَشَائخ، وَالدِّراسة فِي المُؤسَّسات العلميَّة، وَانْطَوت
عَلَى نَفْسها، واقْتَصَرت عَلَى فَهْمها المُنْحرف الَّذي لَمْ يُبْنَ عَلَى
أُصُولٍ عِلْميَّةٍ، ولا عَلَى قَوَاعدَ فِقْهيَّةٍ، ولَمْ يكُنْ لهُ أَمْكنةٌ
مَعْرُوفةٌ، فكَانَ لذَلكَ آثَارُهُ السَّيِّئة عَلَيْهم وَعَلَى الأُمَّة، وأَصْبَحُوا
سُبَّةً عَلَى الإِسْلاَم والمُسْلِمِين.
إنَّ العِلْمَ الشَّرعيَّ - بحَمْد اللَّه - وَاضحُ المَعالَم، لا
يُسْتَحيى من الجهر بِهِ وإعْلاَنه عَلَى المَلَأ فِي المَسَاجد والمَدَارس، لا
يكُونُ فِي اجْتمَاعاتٍ سِرِّيَّةٍ، وأَمْكنَةٍ خَفيَّةٍ، إنَّهُ حقٌّ للجَميع،
وإنَّ الأُمَّة الإِسْلاَميَّة