الغلوُّ والتَّساهلُ
والمفهومُ الخاطِئُ
الحمدُ للَّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى
آله وأصحابه ومنِ اهتدى بهديه وتمسَّك بسنَّته وسار على نهجه. أمَّا بعدُ:
فإنَّ اللَّهَ أمر بالاستقامةِ والاعتدالِ ونهى عن الغلوِّ والانحلالِ،
فقال سبحانه لنبيِّه والمؤمنين معه: ﴿فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ
بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ﴾ [هود: 112]، فأمرَ بالاستقامةِ من غيرِ طُغيانٍ، والطُّغيانُ: هو
الغلوُّ الَّذي يخْرُجُ عن الاستقامةِ، كمَا أنَّه نهى عن التَّساهلِ والإخلالِ في
أمورِ الدِّينِ بالنُّقصانِ منه فقال سُبْحَانَهُ:﴿فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ﴾ [فصلت: 6] أيْ: اطلبوا منه المغفرةَ لمَّا يقع
منكم من تقصيرٍ ومن إخلالٍ بالاستقامةِ بالنَّقصِ منِ اتِّباع أوامرِه واجتنابِ
نواهيه؛ لأنَّ الإنسانَ محلُّ الخطأ والتَّقصيرِ فهو بحاجةٍ إِلَى الاستغفارِ من
ذلك، وهذه الأمَّةُ وسطٌ بين تساهلِ اليهودِ وغلوِّ النَّصارى في العبادةِ، قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَكَذَٰلِكَ
جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ
عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾ [البقرة: 143]، والتَّساهلُ قد يكون بترك الواجباتِ وفعل المحرَّمات واتِّباع
الشَّهواتِ، والغلوُّ هو الزِّيادة في التَّديُّن عنِ الحدِّ المشروعِ مأخوذٌ من: غَلى
القِدرُ: إذا ارتفعَ ماؤُه وفار بسبب شِدَّة الحرارةِ» ويقال: غلاَ السِّعْرُ
إذا ارتفَعَ عنِ الحدِّ المعروفِ، والغلوُّ قد يكونُ في الأشخاصِ بأن يُرْفَعُوا
فوقَ منزلتِهم ويُجْعَلُ لهم شَيءٌ من حقِّ اللَّهِ في العبادةِ، كمَا غلَتِ
النَّصارى في المسيحِ فقالوا: هو ابنُ اللَّهِ، أو هو اللَّه، أو ثالث ثلاثة
فعبدُوه مع اللَّهِ، ولهذَا قالَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُطْرُونِي
كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ
الصفحة 1 / 325