فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([1]) وكما غلا قومُ نوحٍ في الصَّالحينَ فعبدُوهُم من دونِ اللَّهِ: ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نوح: 23]، وهذه أسماءُ رجالٍ صَالحين كَانُوا فيهم. ولهذا نَهَى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أمَّتَهُ منَ الغُلوِّ في الصَّالحين والبناء على قُبورِهم واتِّخاذ قُبورِهم مساجدَ؛ لأنَّ هَذَا يؤوَّل إِلَى عبادتِهم من دونِ اللَّه، كمَا نشاهِدُ اليومَ من بناءِ الأضرحةِ على القبورِ وعبادةِ الأمواتِ من دونِ اللَّهِ والاستغاثةِ بهم في الشَّدائدِ، وقد يكونُ الغلوُّ في عبادةِ اللَّهِ والتَّقرُّب إليه ولهذا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [المائدة: 77]، ولمَّا بلغَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ثلاثةَ نفرٍ قال أحدُهم: أنا أُصلِّي ولا أنامُ. وقال الثَّاني: أنا أصُومُ ولا أفطرُ. وقال الثَّالثُ: أنا لا أتزوَّجُ النِّساءَ، غَضِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وتبَرَّأ من فعلِهم واستنكر ذلك وقال: «أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي» ([2]). وقد يكون الغلوُّ في الحكمِ على أصحابِ الذُّنوب الكبائر الَّتي هي دون الشِّركِ، فيحكم على أصحابِها بالكفرِ والخروجِ من الملَّةِ، كمَا فعلت الخوارجُ من هذه الأمَّةِ، فكفَّرُوا أصحابَ الكبائرِ الَّتي هي دُون الكُفرِ والشِّرك، وكما قالَ رجلٌ ممَّن كان قبلنا لرَجُلٍ يراه يرتكب بعضَ الذُّنوبِ فقال: واللَّهِ لا يغْفِرُ اللَّهُ لفلانٍ، فقال اللَّهُ تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لاَ أَغفِرُ لِفُلاَنٍ إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» ([3]). وقد يكون الغلوُّ في الأمرِ بالمعروفِ
([1])أخرجه: البخاري رقم (3445).