والنَّهي عنِ المنكرِ، كمَا حصل من الخوارجِ
والمعتزلةِ حين غَلَوْ في الإنكارِ على ولاةِ المسلمين فخرَجُوا عن طاعتِهم،
وحملوا السِّلاحَ لقِتَالِهم، وشقُّوا عصَا الطَّاعةِ، وفرَّقوا الجماعَة ممَّا
تركَ آثارًا سيِّئةً على الأمَّة.
وقد يكونُ الغلوُّ في التَّقليدِ الفقهيِّ والحزبيِّ، وذلك بالتَّعصُّب لآراءِ الأئمَّةِ حتَّى تجعل كأنَّها وحْيٌ منزَّلٌ لا يجوزُ العدولُ عنها إِلَى الرَّأيِ الصَّحيحِ الرَّاجحِ بالدَّليلِ كمَا هو حاصِلٌ من متعصِّبة الفقهاءِ، ومن قادةِ الحزبَيينِ اليوم الَّذين يتعصَّبون لجماعَاتِهم وحزبيَّاتهم ويُحَذِّرُون ممَّن سِوَاهُم وإن كان من سِوَاهُم على الحقِّ، وقد يكونُ الغلوُّ في الولاء والبراء فيظنَّ أهل الغلوِّ أنَّ البراءةَ من الكفَّارِ تَعنِي تحريم التَّعامُلِ معهم فيما أباح اللَّهُ ممَّا فيه منفعةٌ بدونِ مضرَّةٍ ولا تنازل عن شيءٍ من الدِّين، وأنَّها تعني الاعتداءَ على المعاهَدِينَ منهم والمُستَأْمَنين بتفجيرِ مساكِنِهم وسفْكِ دمائِهم وقتلِ عوائِلِهم وإتلافِ أموالِهم متناسِين قَولَهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» ([1]). وقوله تعالى: ﴿وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ﴾ [التوبة: 6]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ عَلَى أَلَّا تَعۡدِلُواْ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ﴾ [المائدة: 8]، وربَّما يحتجُّون خطأً بقولِ النَّبيِّ: صلى الله عليه وسلم «أَخْرِجُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَة الْعَرَبِ» ([2])، ولم يعلموا أوَّلاً: أنَّ هَذَا خطابٌ لولاةِ الأمورِ وليسَ خطابًا لعامَّة النَّاسِ، ولم يعلَمُوا ثانيًا: أنَّ اللَّهَ أمر بإخراجِهم بأمانٍ لا بقتْلِهم وتفجيرِ مساكِنِهم وإتلافِ ممتلكاتِهم
([1])أخرجه: البخاري رقم (3166).