وعوائِلهم، ولم يعلموا ثالثًا: أنَّ
إخرَاجَهم يعني: عدم تمكِينِهم من السَّكنِ والتَّملُّك في جزيرةِ العربِ، ولا
يمنع من استقْدَامِهم وقُدُومِهم للمصالِحِ المتبادلة ثمَّ يرجعون إِلَى بلادِهم،
إنَّ الغُلوَّ داءٌ خطيرٌ، وشرٌّ مستطيرٌ له آثارٌ قبيحةٌ، منها:
1- أنَّه يجرُّ إِلَى الشِّركِ باللَّهِ، وذلك كالغلوِّ في الأشخاصِ فإنَّه
يُفضِي إِلَى عبَادَتِهم من دونِ اللَّهِ، كمَا حصلَ لقومِ نوحٍ لمَّا غَلَوْا في
الصَّالحينَ، وكما حصلَ للنَّصارى لمَّا غَلَوْا في المسيحِ، وكما حصلَ لعُبَّاد
القبورِ من هَذِهِ الأمَّةِ لمَّا غَلَوْا في الأولياءِ الصَّالحينَ، فأصْبَحتْ
قُبُورُهم أوثانًا تُعْبَدُ من دونِ اللَّهِ في كثيرٍ من البلادِ حتَّى آلَ الأمرُ
إِلَى من أنكرَ ذلك يُعَدُّ من الغُلاةِ الَّذين يكفِّرونَ المسلمينَ.
2- أنَّه يحمل على تكفير المسلمين وسفك دمائهم كمَا حصل للخوارجِ من هَذِهِ
الأمَّةِ حتَّى قتلُوا خِيَارها؛ كعُثمانَ بنِ عفَّان، وعليِّ بن أبي طالبٍ،
وكثيرٍ من صحابةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
3- أنَّه يحمل على الخُروجِ على وليِّ أمْرِ المسلمِينَ وشقِّ عصا
الطَّاعةِ وتفريق كلمة المسلمين كمَا حصلَ ويحصلُ من الخوارجِ على مدار التَّاريخ،
وقد أمرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقتلِ مَن يفعلُ ذلك في قوله: «مَنْ
جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْكُمْ يُرِيدُ تَفْرِيقَ
جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ، كَائِنًا مَنْ كَانَ» ([1]).
4- أنَّه يزهِّدُ في السُّنَّةِ والوسَطِيَّة والاعتدالِ واعتبار ذلك تَساهُلاً في الدِّين والعبادةِ كمَا في قصَّة الثَّلاثةِ الَّذين تقالُّوا عملَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
([1])أخرجه: مسلم رقم (1852).