5- أنَّه يحمل على القُنوطِ
من رحمةِ اللَّهِ كمَا حصلَ من الَّذي قال: «وَاللَّهِ، لا يَغْفِرُ اللَّهُ
لفُلانٍ».
6- أنَّه يسبِّبُ الانقطاعَ عنِ العملِ الصَّالحِ، وقد يحْمِلُ على
الزَّيغِ والانسلاخِ من الدِّينِ، فإنَّ النَّفسَ تضعفُ مع شدَّة العملِ وقد
تعجَزُ أو تملُّ من العملِ فتتركه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عنِ
المتشدِّدِ في الدِّينِ: «كَالْمُنْبَتِّ لاَ ظَهْرًا أَبْقَى، وَلاَ
أَرْضًا قَطَعَ» ([1]). وقد رأَيْنَا من هَذَا نماذج في وقتنا الحاضر.
هَذَا ويقابلُ الغلوُّ في خطورَتِه وشَرِّه التَّساهلُ في ميوعتِه وضررِه، فالتَّساهلُ في أمورِ الدِّين لا يقلُّ خطورةً عنِ الغلوِّ بل هو شرٌّ منه؛ ولهذا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا﴾ [النساء: 27]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا ٥٩ إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡٔٗا﴾ [مريم: 59، 60] ؛ فالمُتساهِلُون يصفُونَ المتمسِّكِينَ بالدِّين والوسطيَّةِ بأنَّهم متشدِّدُون وغُلاةٌ ومتطرِّفونَ، ويرَونَ الإباحيَّةَ والتَّحلُّلَ من الدِّينِ والأخلاقِ تقدُّمًا ورُقِيًّا وحضَارَةً، ويَقُولون: إنَّ التَّمسُّكَ بالدِّينِ فيه كَبتٌ للحرِّيَّاتِ وعائِق عنِ الانطلاقِ مع الحضارَةِ العالميَّة. وربَّما يقولُ بعضُهم: الدِّينُ يُسرُّ. يرِيدُ بذلك التَّحلُّل من شرَائِعِه، ونقول: نَعم الدِّينُ يسرٌّ في تشْرِيعَاتِه ورُخصِه الشَّرعيَّة، فهو يشَرِّعُ لكلِّ حالةٍ ما يناسِبُها من حالةِ المَرضِ والسَّفرِ والخوفِ والضَّرورةِ، لا أنَّه يُسْرٌ في التَّحلُّلِ من أحكامِهِ فهذا ليسَ يُسْرًا وإنَّما هو حَرجٌ وإثْمٌ والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا،
([1])أخرجه: البيهقي رقم (4744).