×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

 مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» ([1]) فالتَّيسيرُ الَّذي يوقِعُ في الإثمِ خُروجٌ عن سماتِ الدِّينِ وهدْيِه، وشُرورُ الانحلالِ من الدِّين أشدُّ من شرورِ الغلوِّ فيه، وهؤلاءِ الجهَّالِ والمُغْرِضُون ليسُوا هم الَّذِينَ يُبيِّنُونَ معنى الغُلُوِّ، وإنَّما الَّذين يبيِّنُونَ حُدودَ الغُلوِّ والتَّطرُّف هم العلماءُ الأتقياءُ الرَّاسخون في العلمِ على ضوءِ الكتابِ والسُّنَّةِ، لا الصَّحفيُّون وأصحابُ الشَّهواتِ والجهَّال أو المتعالمون أو أهل الضَّلال واللَّهُ جل وعلا يقولُ: ﴿فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ [النحل: 43].

ويقول جل وعلا: ﴿قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ [الزمر: 9] فمتى خرجْنَا عن بيانِ أهلِ العلمِ إِلَى بيانِ أهلِ الأهواءِ وأهلِ الضَّلالِ أمعنَّا في الضَّلالِ والخطأ، وإنَّنا اليومَ نسمعُ ونقرَأُ في وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ أقوال من يتكلَّمون في أمورِ الدِّينِ وأمورِ الغُلوِّ والتَّساهُلِ وهُمْ لا يُحسِنُون القَولَ في ذلك، إمَّا عن قصدٍ سيِّءٍ وإمَّا عن سوءِ فهمٍ، يقولون حسب أهوائِهِم ﴿وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ [المؤمنون: 71] ؛ فيصفون التَّمسُّكَ بالدِّينِ بأنَّه تشدُّدٌ، ويصفُونَ المتمسِّكين بالدِّين وبالعقيدةِ الصَّحيحةِ بأنَّهم متطرِّفُونَ وغُلاةً - وهكذا، فالغَالي يرَى أنَّ المعتَدِلَ مُتساهِلٌ والمتساهِلُ يرى المعتدلَ غاليًا ومتشدِّدًا، والحمدُ للَّه أنَّ اللَّه لم يجعل هَؤُلاءِ ولا هَؤُلاءِ هم الَّذين يحكُمُونَ في هَذَا البابِ وتُقْبَلُ أقوالُهم، وإنَّما وكَّلَه اللَّهُ إِلَى العلماءِ الرَّاسخِينَ المعتدِلِينَ في حُكْمِهِم على ضَوءِ الكتَابِ والسُّنَّة ومنهجِ السَّلفِ الصَّالحِ؛ لأنَّ الحكمَ بالغلوِّ أو بالتَّساهلِ حكمٌ شرعِيٌّ تترتَّب عليه آثارُه، فلا يتولاَّه كلُّ مَن هَبَّ ودبَّ على حسبِ هواه؛ لأنَّ


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3560)، ومسلم رقم (2327).