وأيضًا ففي «الصَّحيحين»، عن
حُميدِ بنِ عبد الرَّحمنِ بن عوفٍ: أنَّه سمع معاويةَ عَامَ حَجَّ عَلَى
المِنْبَرِ، وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ، كَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ،
فَقَالَ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ» ([1]).
وفي رواية سعيد بن المسيّب
في الصحيح أَنَّ مُعَاوِيَةَ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ
زِيَّ سَوْءٍ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الزُّورِ.
قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا عَلَى رَأْسِهَا خِرْقَةٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ألا
وَهَذَا الزُّورُ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مَا يُكَثِّرُ بِهِ النِّسَاءُ أَشْعَارَهُنَّ
مِنَ الْخِرَقِ ([2]).
وفي رواية عن ابن المسيّب في
«الصحيح»: قال: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَنَا، وَأَخْرَجَ كُبَّةً
مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلاَّ
الْيَهُودَ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَلَغَهُ فَسَمَّاهُ الزُّورَ
([3]).
فقد أخبر النبيُّ صلى الله
عليه وسلم عن وَصْل الشَّعر «أنَّ بني إسرائيل هَلكوا حين أحدثه نساؤهم» يُحذِّر
أمَّته مِثْل ذلك، ولهذا قال معاوية: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُهُ
إلاَّ الْيَهُودَ.
فما كان مِن زيِّ اليهود الذي لم يكن عليه المسلمون: إمَّا أن يكون مما يعذَّبون عليه أو مظِنَّة لذلك، أو يكون تَرْكُه حَسْمًا لمادَّة ما عُذِّبوا عليه، لا سيَّما إذا لم يتميَّز ما هو الذي عُذِّبوا عليه مِن غيرِه، فإنَّه يكون قد اشتَبه المحظور بغيره، فيترك الجميع،
([1])أخرجه: البخاري رقم (3468)، ومسلم رقم (2127).