يذكر الله في هذه الآيات صفة من صفات اليهود،
وهي أنهم كانوا يعاينون المعجزات والآيات الباهرة، ثم لا يتأثّرون بها، ولا تلينُ
قلوبهم لها، ومن ذلك المعجـزة التي جرت على يـد موسى عليه السلام لما قُتِل
قتيلٌ في بني إسرائيل ولم يُعلَم قاتله، فأمر الله بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة،
وأن يضربوه ببعضها، أي: بجزءٍ من البقرة، فلما نفذوا الأمر - بعد التباطؤ والتلكؤ
- وضربوه بجزء منها أحياه الله وقال: فلان هو الذي قتلني، وكان رجلاً من أقاربه،
أو من بني عمه حيث قتله من أجل أن يرثه ويأخذ ماله، فهم شاهدوا هذه الآية العجيبة
وشاهدوا إحياء الميت وإخباره عمن قتله، ومع هذا لم يتأثروا بهذه الآية، فقال الله
يصف ذلك: ﴿ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ
أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ﴾ [البقرة: 74]، ثم ذكر أن الحجارة منها ما يلين لخشية
الله، ومنها مـا يتشقق فيخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله، كما قال
تعالى في الآية الأخرى: ﴿لَوۡ
أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا
مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ﴾ [الحشر: 21] ولكنّ قلوبهم ما لانت ولا خشعت فغدت
كالحجارة، بل هي أشد قسوة منها، والله قد أخبرنا أنَّ الجبال تسبِّح مع داود عليه
السلام، وتردِّد تسبيحه ودعاءه، فالجبال والجمادات خلق الله فيها إدراكًا
يناسبها، فهي تخشع من ذكر الله ومن القرآن، لكنّ قلب ابن آدم في الغالب لا يخشع
لشيء.
وخلاصة الأمر: أنَّ الله نهانا أن نعرض عن كتاب ربنا، فتقسوا قلوبنا، كما أعرض بنو إسرائيل عـن كتابهم فقست قلوبهم، وفيـه منْع التشبُّه بأهل الكتاب، وفيه وجوب التأثر بآيات الله عند مشاهدتها وعند تلاوتِها.