×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

ولهذا قال:﴿وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ[الحديد: 16] يعني: التوراة والإنجيل، ﴿فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ [الحديد: 16] أي: بسبب إعراضهم عن كتاب الله وعدم تدبُّره، وعدم التفقُّه في معانيه وطلب تفسيره على الوجه الصحيح، فالإعراض عن تدبر القرآن يسبب قسوة في القلوب، كما قال ابن القيمِّ رحمه الله:

تدبَّر القرآنَ إن رُمْتَ الهدى ***فالعِلمُ تحتَ تَدَبُّر القرآنِ

وقوله: ﴿وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ « نهيٌ مطلق عن مشابهتهم...» أي: أنَّ هذا نهيٌ عن التشبُّه بهم مطلقًا في كل ما هو من خصائصهم، ثم خصَّص ونصَّ على شيء واحد، وهو قسوة القلوب مع كتاب الله عز وجل كما قال: ﴿فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ [الحديد: 16] فهذا نهي للمؤمنين أن يتشبّهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، فلما تطاول عليهم الزمان بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنًا قليلاً وغير ذلك، فقست قلوبهم عند ذلك، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم لذلك.

فالحاصل: أنَّ هذا تنبيه لهذه الأمة بأن تحافظ على تعاهد كتاب ربها قراءة وفهمًا وعملاً وتدبرًا، وإلاّ فإنه سيحصل لها ما حصل لتلك الأمم.

وقوله: ﴿فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٧٣ ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ [البقرة: 73 - 74]،


الشرح