مفاد هذه القصة التي ذكرها
ابن مسعود رضي الله عنه بيان حال بني إسرائيل وتصرِّفهم مع كتابهم، حيث
إنهم لما ثقلت عليهم الأوامر والنواهي التي في التوراة، فكّروا في أن يخترعوا
كتابًا يوافق شهواتهم ورغباتهم ليكون بديلاً عن التوراة، ليجعلوا لفعلهم مستندًا
من موافقة العلماء فيقولوا: إنَّ هذا هو رأي العلماء، فعلّقوا الأمر بعلمائهم،
فألّفوا هذا الكتاب ولفَّقوه، وعرضوه على العلماء ليلصقوه بهم أمام الناس، والعامة
تَبَعٌ للعُلماء، ثم عدلوا عن ذلك خوفًا ألاَّ يطاوعهم العلماء، فركّزوا على شخص
معين، وقالوا: ادعوا فلانًا، فسيستجيب لكم، فاختَصَروا الطريق ودَعَوْا هذا
العالم، فالعالم أدرك خطّتهم، واحتاط لها، فكتب التوراة وجعلها في قرنٍ في داخل
ثيابه، يعني: استصحبها ليتخلّص بها؛ لأنهم هدَّدوه إن لم يوافق بالقتل، وإذا قتلوه
فالبقيَّة من بني إسرائيل سيحذرون ويجيبونهم إلى ما طلبوا خوفًا من القتل.ثم إنهم
عرضوا عليه كتابهم الباطل وقالوا له: أتؤمن بهذا؟ فأشار إلى صدره الذي فيه
التوراة، وقال: أؤمن بهذا، وما لي لا أؤمن بهذا؟ وهذا من التأويل النافع في مثل
هذا الموقف، فخلَّوْا سبيله، وهم فرحون يظنّون أنه وافقهم على هذا الكتاب. ولقد
استهجن بنو إسرائيل هذا العمل من هذا العالِـم، فلما مات نبشوا قبره، فوجدوا
القَرْن معه وفيه التوراة، فعرفوا أنه خدع بني إسرائيل ولم يجبهم، وعرفوا كذبهم،
وهذا من لطف الله سبحانه وتعالى بإبراء هذا العالم حيًّا وميِّتًا.
والحاصل: بيان حِيل وخدع بني إسرائيل وتحريفهم لكتبهم، كما قال الله جل وعلا: ﴿يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ﴾ [المائدة: 13]، وقال: