﴿يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 75]،
فالتحريف حِرْفة اليهود والنصارى، فلا يجوز لهذه الأمَّة أن تحذوا حذوهم، والقرآن
- ولله الحمد - محفوظ بحفظ الله سبحانه، أما الكتابان السابقان: التوراة والإنجيل
فقد استُحفظوا عليهما فضيَّعوها، ولكن القرآن تكفّل الله بحفظه، قال سبحانه: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا
ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ومن حِفظ الله
له أنه يُقيِّض من يقوم بالدفاع عنه وحمايته، وقد يسّر الله طرقًا عديدة ومتجدّدة
لحفظه إلى أن تقوم الساعة.
ومن الدروس المستفادة من هذه القصة: أنه لا يجوز الاحتيال على كتاب الله وسنة رسوله، كما يفعله أهل الزيغ والبدع والضلالة، من خلال التحريف وصرف الآيات عن ظاهرها لموافقة فكر أو مذهب، أو التَّملُّص من الأدلة بتأويلات باطلة وآراء فاسدة، وخلافات ضالة، أو الاحتجاج بقول فلان، فنحن لم نُتَعبّد بأقوال العلماء، إنَّما تُعبِّدنا بالكتاب والسنَّة، فما وافقهما من أقوال العلماء قبلناه، وما خالفَهما رددناه. يقول الإمام الشافعي رحمه الله: إذا خالف قَوْلي قَوْلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضْرِبوا بقَوْلي عرضَ الحائط، وقال الإمام أحمد: عجبْتُ من قوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، ومن هو سفيان؟ سفيان الثوري الإمام الجليل الفقيه البارع رحمه الله يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، فلا يجوز الأخذ بقول العالم مهما بلغ من الفضل والعلم والتَّقى، إلاَّ إذا وافق الدليل، وما خالف
الصفحة 3 / 417