ولـمَّا نَهى الله
عن التَّشبُّه بهؤلاء الذين قَسَتْ قلوبُهم، ذكر أيضًا في آخر السُّورة حال الذين
ابتدعوا الرَّهبانية فما رعَوْها حقَّ رعايتها، فعقَّبها بقوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ
بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا
تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٢٨ لِّئَلَّا
يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَلَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّن فَضۡلِ ٱللَّهِ
وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو
ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ﴾ [الحديد: 28- 29]، فإنَّ الإيمان بالرسول هو تصديقه وطاعته واتّباع
شريعته، وفي ذلك مخالفة للرهبانية؛ لأنه لم يُبعث بها، بل نهى عنها، وأخبر أن من
اتَّبعه من أهل الكتاب كان له أجـران، وبذلك جاءت الأحاديث الصحيحـة، من طريق ابن
عمر وغيره في مثَلِنا ومَثَلِ أهل الكتاب.
***
الدليل فإنه يردّ،
فإذا اختلف العلماء في مسألة، فنحن نرد الخلاف إلى الكتاب والسُّنّة، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ
مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ
بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ [النساء: 59]، نعم
المسائل يكون فيها خلاف والعلماء يختلفون، فنأخذ برأي من؟ علينا أن نأخذ بقول من
معه الدليل، وأن نترك قول من خالف الدليل، وهذا في جميع المسائل الخلافية. ثم المخالف
للدليل إن كان مجتهدًا يريد الحق ولم يصبه فهو معذور ومأجور، لكن لا يتابع على
مخالفته.
قوله: «ولما نهى الله عن التَّشبُّه بهؤلاء الذين قست قلوبهم...» وذلك في الآيـات التي سبق ذكرها من سورة الحديد، حيث قال سبحانه: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحٗا وَإِبۡرَٰهِيمَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ
الصفحة 1 / 417