×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

 وَٱلۡكِتَٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدٖۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ ٢٦ ثُمَّ قَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيۡنَا بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَۖ وَجَعَلۡنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأۡفَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ رِضۡوَٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ فَ‍َٔاتَيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۡهُمۡ أَجۡرَهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ [الحديد: 26- 27] تأمل قوله: ﴿رَأۡفَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ، حيث لم يعقِّب بشيء؛ لأنَّ الرأفة والرحمة مطلوبتان. ثم قال: ﴿وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا. وصف الرهبانية بأنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، هذا قصدهم، والرهبانية: هي التشدد في العبادة أكثر من المطلوب، من اعتزال الدنيا ولزوم الصوامع، وهم ما فعلوها قصدًا للمخالفة، بل فعلوها قصْدًا لابتغاء رضوان الله، لكن الفعل إذا كان يخالِف الكتاب والسنَّة، فإنَّ الفعل لا يقبل، وانظر إلى قوله: ﴿ٱبۡتَدَعُوهَا وهذا اللفظ كاف في ذمّ الفعل، ولو صلحت نيَّة صاحب البِدعة، قال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ([1])، ثم إنهم مع أنهم هم ابتدعوها لهذا القصد ما رعَوْها حق رعايتها؛ لأنهم عجزوا عنها؛ لأنَّ المتشدِّد ينقطع، أما المعتدل فإنه يستمر، وقد جاء في الحديث: «فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى» ([2]) أمَّا المعتدِل، فإنَّه يثبتُ ويسير براحة وطمأنينة. أما قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ [الحديد: 28] فهذا خطاب لأهل الكتاب بأن يؤمنوا برسوله


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (1718).

([2])أخرجه: البيهقي في «الشعب» رقم (3603)، وابن المبارك في «الزهد» رقم (1178).