الفجر بغَلَس، يعني: بظُلْمة بحيث لا يرى
الرَّجل مَنْ بجانبه من ظُلْمة الليل، وكان ينصرفُ منها حين يعرفُ الرجل جليسَه،
مما يدل على أنه كان يدخلُ في الصلاة مبكرًا بعد طلوع الفجر، ويطيلها بحيث لا ينصرف
منها حتى يتضح الإسفار، فهذا كان هديُه صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، وأمَّا
في بقيِّة الصلوات فكان صلى الله عليه وسلم يتوسطُ فيها بين الإطالة الشاقَّة،
وبين التَّخفيف الـمُخِلّ. فالمشروع للأئمَّة أن يأخذوا بهَدْي الرسول صلى الله
عليه وسلم في صلواتهم، وألاَّ يتصرَّفوا مِنْ عند أنفسهم أو اجتهاداتهم، أو حسبَ
رغباتهم.
وقوله: «كما دلَّ عليه حديثُ أَنَسٍ والبَراء، وكان أولئك الأُمراء ينقُصون القراءة...» المقصود: أنَّ الأمراء كانوا يخفّفونها تخفيفًا مخالفًا لتخفيف الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنَّ تخفيفه صلى الله عليه وسلم كان مع الإتمام، وأما هؤلاء فيخففونها تخفيفًا مع النقْص، وعدم الإتمام. والبعض قد يفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ» ([1]) بأنَّ المقصود تخفيف الصلاة تخفيفًا مفرطًا بحيث يخلّ بأركان الصلاة، ومنهم من يخفّف القراءة، كما هو الواقع الآن، فلا يقرأ بطوال المفصل، أو ما يعادلها من القرآن في صلاة الفجر، وإنما يقرأ بعض آياتٍ يبالغ في قراءتها بالتجويد المتكلّف والتمطيط المُمِلّ، حتى يشق على المأمومين، فهو يُطيلها من أجل طريقة القراءة التي يقرؤها، لا من حيث الكميَّة، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
([1])أخرجه: البخاري رقم (30)، ومسلم رقم (466).
الصفحة 7 / 417