الرسول صلى الله عليه وسلم لوضع الله
عنهم الآصار والأغلال، فلما لم يؤمنوا به بقيت عليهم الآصار والأغلال. وقد قال سبحانه
وتعالى: ﴿رَبَّنَا
وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ﴾ [البقرة: 286] وهذا
دعاءٌ علّمه الله المؤمنين بألاّ يحمِّلَهم الآصار وهي الواجبات التي يَعجَزون
عنها كما حمّلها على بني إسرائيل، فهذا الدين - ولله الحمد- دين الوسطيّة
والاعتدال، والتشدّد والتساهل من صفات اليهود والنصارى، ونحن منهيّون عن التشبُّه
بهم في هذه الأمور، وفي غيرها.
وقوله: «وعلى هذا دلّ قوله سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ﴾ [المائدة: 87]» فقوله: ﴿لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ﴾ [المائدة: 87] أي: بالتشديد، وقوله: ﴿وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ﴾ [المائدة: 87] أي: بالتساهل، فالله نهانا عن التشدّد وعن التساهل، وأمرنا بالاعتدال، وسبب نزول الآية هو حديث النفر الثلاثة الذين جاؤوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادة الرسول ليقتدوا به، فلما أُخـبروا عنها كأنهم تقالّوها، ثم إنهم التمسوا العُذْر لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر، وأنه ليس بحاجة - بزعمهم - إلى العمل، أما هم فأهل ذنوب وسيئات، فهم بحاجة إلى العمل، قال أحدُهم: أمّا أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخرُ: أنا أصومُ الدّهرَ ولا أفطرُ، وقال آخرُ: أنا أعتزلُ النِّساء فلا أتزوجُ أبدًا، فجاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»، وقد ذكره الشيخ فيما يلي.
الصفحة 8 / 417