التراويح فريضة، فيعجزوا عنها، فهو سنّها لهم
جماعة، ثمّ تأخّر خشية أن تفرض عليهم، فكانت سنّة النبي صلى الله عليه وسلم
هي الاعتدال بين ترك التراويح نهائيًّا فيكون هذا تركًا للسُّنَّة، وبين أن تفرض
وتكون شاقّةً على الناس.وأما قدرًا: فإنَّ الله قد يعاقب الـمُتشدِّدين على
تشدُّدهم كما فعل باليهود، حيث أمرهم بذبح بقرة، فجعلوا يتساءلون: ما هي؟ ما
لوْنُها؟ إنَّ البقر تشابه علينا. ولو أنهم بادروا وذبحوا أي بقرة لكفاهم ذلك،
فلما تساءلوا وأكثروا السؤال شدّد الله عليهم، قال سبحانه: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا
كَادُواْ يَفۡعَلُونَ﴾ [البقرة: 71] حتى قيل: إنهم لم يجدوا البقرة التي ينطبق عليها الوصف،
إلاَّ بملء جلدها ذهبًا، جرَّاء ما شدَّدوا على أنفسهم.
فالله جل وعلا شدّد على اليهود والنصارى، فحرّم عليهم أشياء كانت حلًّا لهم كما قال سبحانه: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ﴾ [الأنعام: 146] أي: بسبب تجرّئهم وعنادهم وتشديدهم على أنفسهم في الأمور فشدّد الله عليهم، فحرَّم عليهم أشياء كانت حلًّا لهم، وأوجب عليهم أشياء - عقوبة لهم - ما كانت واجبة عليهم في الأصل، فلو آمنوا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لوضع الله عنهم الآصار والأغلال التي كانت عليهم؛ لأنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم نبيّ الرحـمة، ودِينُـه ديـن الوسطية والاعتدال، قال الله عز وجل: ﴿وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ﴾ [الأعراف: 157]، والإصر: هو الواجب الثقيل، والغِلّ: هو التحريم، فالله أوجب عليهم أشياء لم تكن واجبة عليهم، وحرَّم عليهم أشياء كانت حلالاً لهم عقوبة لهم، فلو أنهم آمنوا بهذا