×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

 هذا الدين برفق، حيث قال: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلاَّ غَلَبَهُ» ([1]) لأنَّ أحدًا لا يستطيع أن يحيط بالدين كله، ولكن يجب أن يأخذ منه المسلم ما يستطيع أخذًا باعتدال ورفق؛ لأن هذا أبلغ في مواصلة السير والديمومة على العمل، بخلاف الذي يتشدد ويتنطع فإنه ينقطع ولا يصل مبتغاه، وأما المعتدل فهذا الذي يصل إلى الغاية بإذن الله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا الصَّلاَةَ ([2])، وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إلاَّ مُؤمِنٌ» ([3]). والتشدد يفضي إلى العنت، حيث إن الله يشدِّد على من شدّد على نفسه إما شرعًا وإما قدرًا. ومثال التشديد في الشرع: ما تخوَّفه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته لما اجتمع الناسُ لصلاة التراويح في مسجده صلى الله عليه وسلم، حيث إنه أمر بقيام رمضان وحثّ عليه، فصار الناس يصلّون فرادى وجماعات، ثم إنهم صلَّوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم لما رأوه يصلي، فلما رأى إقبالهم على ذلك تركهم يصلّون معه في الليلة الأولى، ثم صلَّوا خلفه في الليلة الثانية وكثروا، ثم في الليلة الثالثة حتى امتلأ المسجد، فتأخّر صلى الله عليه وسلم، ولما أصبح وصلّى بهم الفجْر، قال: «فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا. تَابَعَهُ يُونُسُ» ([4]) فهو خشيَ أن يشدِّد عليهم شرعًا، وأن تجعل


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (39).

([2])أخرجه: البخاري رقم (6463).

([3])أخرجه: الدارمي رقم (682)، وأحمد رقم (22433)، وابن حبان رقم (1037).

([4])أخرجه: البخاري رقم (924)، ومسلم رقم (761).