وفيه أيضًا تَنْبيه على أنَّ
التَّشديد على النَّفْس ابتداءً يكون سببًا لتشديدٍ آخَر يَفْعلُه الله: إمَّا
بالشرَّع، وإمَّا بالقدر، فأمَّا بالشَّرع: فمثْلُ ما كان النبي صلى الله عليه
وسلم يخافُه في زمانِه، من زيادة إيجاب أو تحريم، كنَحْـوِ ما خافـه لمَّا اجتمعوا
لصلاة التَّراويح معه، ولِـما كانوا يسألون عن أشياءَ لم تُحرَّم، ومِثْل أنَّ مَن
نذر شيئًا من الطَّاعـات وجـبَ عليه فِعلُه، وهـو منهيٌّ عن نَفْس عَقْد النَّـذر،
وكذلك الكفَّارات الواجبة بأسباب. وأمَّا بالقَدَر: فكثيرًا ما قد رأينا وسَمِعْنا
مَن كان يتنطَّعُ في أشياء، فيُبتْلى أيضًا بأسباب تُشدِّد الأمـور عليه في
الإيجاب والتَّحريم، مِثْل كثـير من الموسْوِسِين في الطَّهارة إذا زادوا على
المشروع، ابتُلوا بأسبابٍ تُوجـب حقيقة عليهم أشياء فيها عظيم مشقة ومضرَّة. وهذا
المعنى الذي دلَّ عليه الحديث موافقٌ لما قدَّمناه في قوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ﴾ [الأعراف: 157]،
مِن أنَّ ذلك يقتضي كراهة موافقتهم في الآصار والأغلال، والآصارُ: ترجع إلى
الإيجابات الشَّديدة، والأغْلال: هي التَّحريمات الشديدة، فإنَّ الإصْر: هو
الثِّقل والشِّدة، وهذا شأن ما وجـب، والغِلُّ يمنع المغلول من الانطلاق، وهذا شأن
المحظور. وعلى هذا دلَّ قولُه سُبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ
وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾ [المائدة: 87].
وسبب نزولها
مشهور.
***
قوله: «وفيه أيضًا تنبيه على أنَّ التشديد على النفس ابتداءً يكون سببًا لتشديدٍ آخر...» الحاصل: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نوغل في