×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

ومن ذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من مشابهة مَن قَبلنا، في أنَّهم كانوا يفرِّقون في الحدود بَيْن الأشراف والضُّعفاء، وأمر أن يُسوَّى بين الناس في ذلك، وأن كثيرًا من ذوي الرأي والسِّياسة قد يظنُّ أنّ إعفاء الرؤساء أجود في السياسة، ففي «الصحيحين» ([1]) عن عائشةَ رضي الله عنها في شَأْنِ المخْزوميَّـةِ التي سَرَقتْ، لما كَلَّم أسامةُ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يَا أُسَامَةُ، أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى؟! إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

***

 هذا نوع آخر من الأمور التي حذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أن نتشبّه بها بأهل الكتاب، وهي الشفاعة في الحدود، والحدود: جمع حَدّ، وهو عقوبةٌ مقدَّرةٌ شرعًا على معصية؛ لتمنع من الوقوع في مثلها، وحدود الله يُراد بها: محارمه، ويراد بها تشريعاتُه في الحلال والحرام، ومن الحدود: العقوبات التي شرعها الله. فالحدود تُطلق ويُراد بها: المباحـات، قال تعالى: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ [البقرة: 229]، وتُطلق ويُراد بها: المحرَّمات، قال تعالى: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ [البقرة: 187]، وتُطلق ويُراد بها: العقوبات، وهي ما نحن بصدده الآن، فمن ذلك حدُّ الزِّنا مثلاً، فحدُّ الزنا بالنسبة للبِكر هو جلد مئة وتغريب عام، قَال َ تَعَالَى: ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ [النور: 2]، وجاءت السُّنّة بأنَّه يغرَّب سنة عن بلده، حتى يتبدّل حاله، ويتغير سلوكه


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3475)، ومسلم رقم (1688).