وَجْهِهِ...» لما نُزِل برسول الله صلى
الله عليه وسلم الموت، وصار يقاسي من سكـراته، فإنَّه صلى الله عليه وسلم ما ترك
النصيحة للأُمَّة حتى وهو في هذه الحالة، وهو يجود بروحه وقد شُغل بأمر نفسه، فكان
يقول: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى» لماذا؟ لأنهم «اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، لماذا؟ قالت: يحذِّر ما صنعوا، يعني: ليس
الأمر من باب ذِكر شيء مضى وانقضى، وإنَّما هو تحذير من أمر سيقع في المستقبل، حتى
لا نَحْذُوَ حذوهم، ونسير على ما هم عليه، ونقول: هم أقدم مِنَّا، وهم أهل عِلم
وأهل كتاب، وما أشبه ذلك من التلفيقات. فمقصود النبي صلى الله عليه وسلم بيان
خطورة الأمر وليس مجرد الإخبار، فهو تحذيرٌ من التعلّق بالأموات أو التبرَّك
بتربتهم أو بقبورهم، أو الاستغاثة بهم، أو الذبح والنذر لهم، أو غير ذلك من أنواع
العبادات التي لا يجوز أن تصرف إلاَّ لله سبحانه وتعالى الذي خلق الخلق من أجل
عبادته، قَال َ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]،
فالعبادة حقٌ لله، ففي الحديث: «يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى
الْعِبَادِ؟» قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ
وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ([1]).
وفي هذا الحديث من الفائدة: أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ يعتريه ما يعتري البشر من الموت والسكرات، وهذا خلاف ما يقوله الخرافيون والغُلاة: أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يمت، وأنَّه يحضر في مجالسهم وحفلاتهم البدعية.
([1])أخرجه: البخاري رقم (7373).