×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

وأيضًا في «الصحيحين» ([1])، عن رافعٍ بن خديج رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسولَ الله، إنّا ملاقُوا العَدوِّ غدًا وليسَ معنا مُدًى، أفنذبح بالقَصَب؟ فقالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ». نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الذَّبح بالظُّفُر مُعلِّلاً بأنها مُدى الحبشة، كما علَّل السِّن بأنه عظم، وقد اختلف الفقهاء في هذا، فذهب أهل الرأي إلى أنَّ عِلَّة النهي كون الذَّبح بالسِّن والظفر يشبه الخنق، أو هو مظِنَّة الخنق، والمنخنقة محرمة، وسوَّغوا على هذا الذبح بالسِّنِّ والظفر المنزوعَين؛ لأنَّ التذكية بالآلات المنفصلة المحددة لا خنق فيه، والجمهور منعوا من ذلك مطلقًا؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، استثنى السِّن والظفر مما أنهر الدم، فعُلم أنه من المحدد الذي لا يجوز التَّذكِية به، ولو كان لكونه خنقًا لم يستثنه. والمظِنَّة إنما تقام مُقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية أو غير منضبطة، فأما مع ظهورها وانضباطها، فلا. وأيضًا، فإنه مخالف لتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، المنصوص في الحديث.

***

 قوله في حديث رافع: «قلت: يا رسول الله إنا ملاقو العدو غدًا وليس معنا مدًى...» يعني: هذا بيان لنوع آخر من أنواع التشبّه بالكفار، وهو التشبّه بهم باستخدام آلة الذكاة التي يستعملونها؛ لأنَّه في شريعتنا يُشترط في الحيوان المأكول الذكاة، قال تعالى ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ [المائدة: 3]، وقوله تعالى: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ [الأنعام: 118].


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (5509)، ومسلم رقم (1968).