×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

 في ذلك، وإنما الغرض شيء واحد، وهو منع التشبّه باليهود والنَّصارى، أما استقصاء هذه الروايات والنظر فيها والجمع بينها، فهذا له شأن آخر. ولهذا قال: «وإنما الغرض هنا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما كره بوق اليهود المنفوخ بالفم، وناقوس النصارى المضروب باليد، علّل هذا بأنه من أمر اليهود..». المقصود: أنَّ وصف النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بأنه من فعل اليهود والنصارى هو علَّة الحكم؛ لأنَّ الوصف إذا ذُكر عُقَيب الحكم فهو دليل على أنَّ ذلك الوصف علّة لذلك الحكم عند الأصوليين، مثل أكرِم العالم، فإنَّ وصف العالم دليل على أنَّه علَّة للإكرام، وقولك: علِّم الجاهل مثلاً، هذا دليل على أنَّ التعليم لإزالة الجهل، وهكذا. نحن منهيّون عن التشبّه بأهل الكتاب فيما هو من دِينهم، أو من عاداتهم الخاصة بهم، واتخاذ الوسيلة لجمع الناس للصلاة هو من أمور الدين، فهو وسيلة مشروعة، ولكن النبيّ صلى الله عليه وسلم امتنع من ناقوس النَّصارى، ومن بوق اليهود، أو قرن اليهود؛ لأنَّ هذا تشبّه بهم، ونحن منهيّون عن التشبّه بهم، لكي تكون لنا شخصيّتنا الخاصة المميزة عن غيرنا، وليت المسلمين مشوا على هذا الأصل العظيم، لتميّزوا بإسلامهم وبما أعطاهم الله من الرفعة، لو فعلوا ذلك لصاروا قدوة للعالم، ولصار العالم تبعًا لهم، لا أن يكونوا هم أتباع اليهود والنَّصارى، ولهذا يقول عمر رضي الله عنه: إنَّ الله أعزَّنا بالإسلام، فمهما ابتغينا العزَّة بغيره، أذلّنا الله عز وجل. أما مسألة أنَّ القرن كان من شأن موسى عليه السلام، وكان يستعمله لجمع الناس للعبادة، فهذا لو ثبت لكان من الشرع المنسوخ؛ لأنَّ


الشرح