ولم أكتب سائر ما كانوا
يأمرون به في أهل الكتاب، إذ الغرض هنا التمييز. وكذلك فعل جعفر بن محمد بن هارون
المتوكِّل بأهل الذِّمَّة في خلافته، واستشارته في ذلك الإمام أحمد بن حنبل وغيره
وعهوده في ذلك، وجوابات أحمد بن حنبل له معروفة. ومن جملة الشروط: ما يعـود
بإخفـاء منكـرات دينهم وترك إظهارها، كمنعهم من إظهار الخمر والناقوس والنيران
والأعياد، ونحو ذلك.
ومنها ما يعود
بإخفاء شِعار دينهم، كأصواتهم بكتابهم.
***
قوله: «وتقدم في ذلك
أشد التّقدّم واكتب فيه» يعني: نفذ هذا الأمر أشد التنفيذ. واكتب فيه كتابة
علنية لا تخفى على أحد.
قوله: «ولم أكتب سائر
ما كانوا يأمرون به في أهل الكتاب...» يقول الشيخ: لم أكتب في هذا الكتاب كل
ما رُوي في تعامل ولاة أمور المسلمين مع أهل الذِّمَّة حسب الشروط؛ لأنَّ المقصود
ليس الاستقصاء، ولأنَّ الإلمام بذلك يحتاج إلى تطويل الكتاب.
قوله: «وكذلك فعل جعفر بن محمد بن هارون المتوكِّل...» المتوكِّل هو أحد الخلفاء العباسيين، وهو الذي نصر أهل السُّنة في خلافته، بعد أن عذّبهم وأهانهم المأمون ومن بعده المعتصم ثم الواثق بإملاء من المعتزلة، وفي مقدمة من عذَّبوا الإمام أحمد رحمه الله، وقد نصروا أهل البدعة، وأرادوا أن يُلزموا المسلمين بالقول بخلق القرآن، إلى أن جاء عهد المتوكل رحمه الله، فرفع المحنة عن أهل السُّنّة، وأعزَّ الإمام أحمد، وجعل يستشيره في كثير من الأمور، ومن ذلك استشارته في مسألة أهل الذِّمّة، والتعامل معهم، وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يكتب أجوبة للمتوكل فيما يسأله من ذلك.
الصفحة 3 / 417