عنده، أو أنه صحَّ عنده ولكن رأى فيه وجهًا آخر؛
لأنَّ الدليل محتمل، فأخذ منه محملاً آخر، أو يرى مثلاً أنَّ هذا الدليل منسوخ،
وغير ذلك من الأعذار. لكن مَن تبيَّن له الدليل فلا يجوز له أن يأخذ بقول مَن
خالفه كائنًا من كان، وهذه قاعدة مجمع عليها عند الأئمة. ولا يجوز لأحد أن يخرق
هذه القاعدة المجمع عليها فيخالف الدليل لأجل قول أحد من الناس كائنًا من كان.
وإذا كان الإمام أحمد رحمه الله على جلالة قدره، وتبحُّره في العلم، وسعة اطلاعه
على الأدلة، لا يُفتي إلاَّ بما سبق وأن أفتى به إمام قبله، وأما ما لم يُسبَق فيه
فإنه يتوقَّف فيه تورّعًا، فهل قائل ذلك أعرف من الإمام أحمد؟ والله جل وعلا يقول:
﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ
ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم
بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ﴾ [التوبة: 100].
والرسول صلى الله
عليه وسلم يقول: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي» ([1]). فهل يريد قائل هذا
القول أن يلغي قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم جميعًا، وهُم الأئمة
الخلفاء الراشدون، فضلاً عن عامّةِ الصحابة، ويصرُّ على الأخذ برأي من دونهم. وإذا
نظرنا إلى مستوى هذا القائل من العلم، ومقارنته بعلم الإمام أحمد، أو الشافعي، أو
مالك، أو أبي حنيفة وجدنا أنه ليس عنده من العلم ما يبلغ عُشر معشار ما عندهم.
***
([1])أخرجه: الترمذي رقم (2676)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (7142).
الصفحة 3 / 417