فإنَّ الله قد
أَمر المؤمنين بالاعتصام بحَبْل الله جميعًا، ونهاهم عن التفرُّق والاختلاف،
وأمرَهم بإصلاح ذاتِ البينِ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ
فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا
اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»
([1]).
***
جنس من باب العصبية ومن باب الهوى، فإنَّ هذا
يذم، أما الذي يفضِّل جنس العرب على جنس العجم لما اتصف به العرب في سجيَّتهم
وخِلْقتهم ولغتهم، ولما قاموا به من أعمال جليلة في مناصرة هذا النبيِّ وإبلاغ هذا
الدين وهذا القرآن العظيم الذي نزل بلُغَتهم، كان ذلك آية على إيمانه على مقتضى ما
ورد في هذا الحديث، وإذا أبغَضَهم كان ذلك منه علامة على نفاقه؛ لأنَّ هذا الدِّين
نشأ منهم، وكان قيامه بتضحياتهم وهِمَمِهم العالية التي جُبِلوا عليها.
فيما يتعلَّق بالمؤمنين من العرب أو العجم، فإنه لا فرق بينهم؛ لأنَّ الله جمع بينهم بالإسلام، فهم سواء، وأكرمهم عند الله أتقاهم سواء كان من العرب أو العجم، ولهذا وصف النبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤمنين من العرب والعجم بأنهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى، هذا شيء لا إشكال فيه بعد الإسلام وبعد الإيمان؛ لأنه لا فرق ولا ميزة لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلاَّ بالتَّقوى. وقد دعا صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور إلى تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثَّهم على التّراحُم والتعاضُد؛
([1])أخرجه: مسلم رقم (2585).